الدكروري يكتب عن إذ نادى ربه نداء خفيا
بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : الثلاثاء الموافق 26 مارس 2024
الحمد لله على جزيل النعماء، والشكر له على ترادف الآلاء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، إمام المتقين، وسيد الأولياء، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله الأصفياء، وأصحابه الأتقياء، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ثم أما بعد ذكرت المصادر التاريخية الإسلامية كما جاء في كتب الفقه الإسلامي وكتب السيرة النبوية الشريفة الكثير والكثير عن شهر رمضان وعن أحكام الصيام في شهر رمضان وعن فضل قيام ليلة القدر، فإن هذه الليلة سمحة، طلقة، بلجة، منيرة، معتدلة، تطلع الشمس فى صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها، سالمة من الشيطان والعذاب، سلام هى حتى مطلع الفجر، تتنزل الملائكة فيها إلى الأرض أكثر مما تتنزل في بقية أيام السنة.
حتى تكون في هذه الليلة أكثر من عدد الحصى على هذه الأرض، يكثر فيها من قول “اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنى” ومن قامها إيمانا بثوابها، وفضلها، واحتسابا للأجر الوارد فيها غفر له ما تقدم من ذنبه، فيجمع العبد بين التصديق بالوعد، والطلب للأجر ليحصل له هذا، فالأعمال الصالحة لا تقبل إلا مع الاحتساب، وصدق النيات، وهذه الليلة من الليالى ينبغي أن تتحرى، وقد أخفاها الله تعالى لنجتهد في العبادة في كل ليالى العشر، لعل العبد أن يصيبها، فمما ينافى الحكمة الإلهية في إخفاء ليلة القدر، بأنه جزم بعض الناس بأنها ليلة كذا، فيصيب بعض الناس من الإحباط ما يصيبهم، ويقعد بعضهم عن العبادة فيما بقي، والاجتهاد لأجل رأى أطلقها شخص فى رسالة.
فإذا كان الشرع أخفاها فأنت تسير مع مراد الشرع في الإخفاء، ولأن العبد إذا وافق حكمة ربه، فتأمل ماذا يريد الله من وراء هذه الأوامر، والنواهي، والنصوص، والتشريعات، فسار على وفق مراد الله، وحقق حكمة الله، فإنه من أولي الأبصار والألباب، وكذلك يكون من الأخيار الذين أراد الله بهم خيرا بالفقه في دينه، ومن أشهر ما يفعل في هذه الليلة هو القيام، وقد اعتكف النبى الكريم صلى الله عليه وسلم العشر الأواخر كلها لإصابة ليلة القدر لأن من اعتكف العشر الأواخر، وقام في كل ليلة منها وهو يدعو فإنه بالتأكيد سيصيبها، والنبى الكريم صلى الله عليه وسلم كان يقوم حتى تتورم قدماه كما قال الله فى كتابه العزيز ” كانوا قليلا من الليل ما يهجعون” وكان السلف يسيرون على هذا المنوال، يقومون ليلهم، ويخفون دعائهم.
فقال تعالى ” إذ نادى ربه نداء خفيا” وكان ظمأ الهواجر، يعنى العطش فى الصيام لأجل حر النهار، وألم الأرجل فى الليل من طول القيام هو أشهى ما عند العابدين، والذي يرغبهم في البقاء في الدنيا، وليس كثرة الأموال، ولا السعي في الاستثمارات، ولا الضرب في السياحات، وإنما هو ظمأ الهواجر، وقيام الليل، ومن أطال قيام الليل هون الله عليه وقوف يوم القيامة كما قال الأوزاعي رحمه الله لأن يوم الدين فيه وقفة طويلة جدا لأنه في الطول خمسين ألف سنة، الناس واقفون على أقدامهم، لا قاعد، ولا مضطجع، ولا متكئ، وإنما هم قيام كما قال الله تعالى” يوم يقوم الناس لرب العالمين” ويشتد الحر على الناس لأمور ثلاثة هو الزحام، فليس للإنسان إلا موضع قدميه.
ودنو الشمس قدر ميل من رؤوس العباد، وتقريب جهنم فقال تعالى ” وجيء يومئذ بجهنم ” تجرها الملائكة، فيأخذ الناس من العرق والكرب ما الله به عليم، ويذهبون يطوفون على الأنبياء ليطلبوا منهم التدخل عند الله لفصل القضاء، فينالها الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم صاحب المقام المحمود.
زر الذهاب إلى الأعلى