الدكروري يكتب عن إن الدار الآخرة لهي الحيوان
بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : الأحد الموافق 25 فبراير 2024
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا ثم أما بعد يقول الله تعالى في محكم آياته كما جاء في سورة العنكبوت ” وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون” فينبغي علينا جميعا أن نعي جيدا هذه الآية الكريمة ونتلوها ونتدبر معانيها ،ونتفهم مراميها ونسبح في بحارها ونرتشف من رحيقها المختوم فهي آية تبين لنا حقيقة الحياة الدنيا ومفهومها الصحيح وذلك حتى لا نخدع بها ولا نفتن ببريقها ونزهد فيها وهي في نفس الوقت تبين لنا حقيقة الدار الآخرة وما فيها من حياة دائمة.
ونعيم مقيم وذلك لنطلبها ونسعى إليها وقد جاء في التفسير الميسر “وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب، تلهو بها القلوب وتلعب بها الأبدان بسبب ما فيها من الزينة والشهوات، ثم تزول سريعا، وإن الدار الآخرة لهي الحياة الحقيقية الدائمة التي لا موت فيها، لو كان الناس يعلمون ذلك لما آثروا دار الفناء على دار البقاء” وقال الامام السعدى في تفسيره “يخبر الله تعالى عن حالة الدنيا والآخرة، وفي ضمن ذلك، التزهيد في الدنيا والتشويق للأخرى، فقال تعالي ” وما هذه الحياة الدنيا ” في الحقيقة ” إلا لهو ولعب” تلهو بها القلوب، وتلعب بها الأبدان، بسبب ما جعل الله فيها من الزينة واللذات، والشهوات الخالبة للقلوب المعرضة، الباهجة للعيون الغافلة، المفرحة للنفوس المبطلة الباطلة، ثم تزول سريعا، وتنقضي جميعا.
ولم يحصل منها محبها إلا على الندم والحسرة والخسران، وأما الدار الآخرة، فإنها دار “الحيوان” أي الحياة الكاملة، التي من لوازمها، أن تكون أبدان أهلها في غاية القوة، وقواهم في غاية الشدة، لأنها أبدان وقوى خلقت للحياة، وأن يكون موجودا فيها كل ما تكمل به الحياة، وتتم به اللذات، من مفرحات القلوب، وشهوات الأبدان، من المآكل، والمشارب، والمناكح، وغير ذلك، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فيقول تعالي ” لو كانوا يعلمون” لما آثروا الدنيا على الآخرة ولو كانوا يعقلون لما رغبوا عن دار الحيوان، ورغبوا في دار اللهو واللعب، فدل ذلك على أن الذين يعلمون، لا بد أن يؤثروا الآخرة على الدنيا، لما يعلمونه من حالة الدارين، فإن حياة المسلم الحقيقية تكون بعد الموت، وحياة الكافر قبل الموت.
وكل يعمل لحياته، فالموقنون بالآخرة يتقون الشبهات إستبراء لدينهم وعرضهم، ويكترثون بالآخرة أشد من اكتراث غيرهم بالدنيا، والقرآن الكريم لا يعني بهذا أن يحض على الزهد في متاع الدنيا والفرار منه وإلقائه بعيدا، إنما يعني مراعاة الآخرة في هذا المتاع والوقوف فيه عند حدود الله كما يقصد الاستعلاء عليه فلا تصبح النفس أسيرة له، فأنت تلاحظ هنا في الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة أن الدنيا موصوفة بأنها لهو ولعب وأنها لا تساوي شيئا عند الله عز وجل وهي لا قيمة لها في الآخرة وهي مذمومة في جميع أحوالها إلا ما كان لله، وأنها كلها متاع، وهي عرض زائل وزمنها قصير جدا لا يمكّن المرء من قضاء حاجاته فيها، والمؤمن لا يركن لها لأنها سجنه وإنما يطلق من سجنه ويفك أسره بموته إذا قدم على ربه.
زر الذهاب إلى الأعلى