الدكروري يكتب عن أهل التحقيق والإنصاف والتمييز
بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : الخميس الموافق 18 يناير 2024
إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهدى الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه
وسلم تسليما كثيرا أما بعد لقد ذكر المؤرخون أن معاوية بن أبي سفيان كان يجمع على مائدته سبعين صنفا من الطعام ويقول أنصار معاوية أن معاوية لحليم حاذق وأن الحلم لخلة شريفة ومنقبة عظيمة وأن الحذق لسجية محمودة تناقلوا ذلك في أسفارهم وتمثلوا به في اخبارهم واشعارهم وربما جر بعضهم قصوره عن ادراك الحقائق إلى الزعم بأن معاوية كان اصح فكرا وابعد غورا وادق ادراكا من الإمام علي رضي الله عنه وربما ظن ذلك البعض بنفسه.
حيث عرف ذلك واستخرجه من ماجرياتهما وسببرتهما أنه من الخاصة أهل التحقيق والانصاف والتمييز مع أن الامر بخلاف ذلك والقائل به عامي يقول ببادي الرأي ويستعجل في الحكم على القضايا قبل الفحص التام عن اسبابها وموانعها ومقتضياتها وتمحيصها للحكم عليها ولعمري انه لاجدر بما قيل، ولو تتبع تلك القضايا وعرفها حق المعرفة لادرك ان حلم معاوية إنما هو خبث وحيلة ونفاق ومراوغة وإيضاح هذا الامر وبيانه يقتضي التمهيد له بذكر ما كان من التفاوت بين حال الإمام علي رضي الله عنه في سيرته وبين حال معاوية ومن يشاركه في آرائه كعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وذلك ان الإمام علي رضي الله عنه كان لا يستعمل في حروبه وسائر أفعاله الا ما يوافق الكتاب والسنة.
ملازما في جميع حركاته قوانين الشريعة مدفوعا إلى اتباعها رافضا ما كان يستعمله المشركون في الجاهلية والبغاة القاسطون في الاسلام في حروبهم من المكر المحظو والخبث والدهاء والغدر والحيلة والتغرير بالإجتهاد في مقابلة المنصوص وتخصيص العمومات بالآراء لتوافق الهوى وغير ذلك مما لا ترخص فيه الشريعة ولا يرضاه الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم فكان رضي الله عنه يقول لاصحابه لا تبدأوهم بالقتال حتى يبدأوكم ولا تفتحموا بابا مغلقا لانه رضي الله عنه كان ملجما بلجام الورع عن جميع القول الا ما كان فيه لله رضى وممنوع اليدين عن كل بطش لا ما ارتضاه الكتاب والسنة ومنقطع عن كل تدبير الا ما اذن الله تعالي فيه فكان مجال التدبير عليه ضيقا ومن هذا التضييق، وقعت أمور كثيرة ينسب إليه القاصرون التقصير فيها.
كعدم اقراره معاوية على الولاية في أول خلافته ثم يعز له بعد ذلك لما يعلمه في تقريره من الظلم والجور وكعدم إرضاء طلحة والزبير بتوليتهما المصرين كما طلبا حتى فأرقاه وكمخاشنته في الله لبعض اصحابه كأخيه عقيل وشاعره النجاشي ومقصلة بن هبيرة حتى فارقوه إلى معاوية كما نسبوا الفاروق رضى الله عنه إلى قصور الرأي في تنفيره جبلة بن الايهم والتشديد عليه في طلب القصاص بلطمة لطمها رجلا وطئ ازاره حتى إرتد بسبب ذلك جبلة عن الاسلام وإرتد بإرتداده الوف من أتباعه وفي أمره بحرق مكتبة الاسكندرية وإحراقه قصر سعد بن أبي وقاص بالكوفة ومشاطرته كثيرا من عماله وأموالهم وأمثال هذا ولا غرو أن من اقتصر على الكتاب والسنة فقد حجر على نفسه الواسع ومنع نفسه الطويل العريض وما لا يتناهى من المكائد ووجوه الفلج والظفر.
زر الذهاب إلى الأعلى