الدكروري يكتب عن بلد اللغة والفصاحة
بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : الأحد الموافق 10 ديسمبر 2023
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين وصلى الله وسلم على عبدالله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد فإنه إذا ذكرت مصر وتاريخها ذكرت العُباد والزهاد، ذكرت حيوة بن شريح، وذكرت أبا محمد بن
سهل، وكان عابدا صالحا آمرا بالمعروف، داعيا إلى العقيدة الصحيحة، وكان يذمّ العبيديين الشيعة الذين حكموا مصر فترة، وفي مصر من الأدباء والكتاب والشعراء أعداد لا يستهان بها ممن زاروها أو كانوا من أهلها، فإذا ذكرت وقرأت الشعر الرائد لجميل بثينة، وهو من أفصح الشعراء، فاعلم أنه مصري، وإذا قرأت الشعر الرائد لكثير عزة فاعلم أنه مصري، وإذا قرأت شعرا لأبي نواس فاعلم أنه مصري، وإذا قرأت للشاعر الشهير المتنبي أحمد بن الحسين.
فاعلم أنه مكث في مصر أربع سنوات، فإنك تتكلم عن بلد عظيم لا يزال فيه أمل لقيادة الأمة، والسير على منهاج أجداده من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تكاد تجد قارئا اليوم معه إجازة وسند إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وكان للمصريين عليه يد، فستجده قرأ أو حفظ أو ضبط قراءته أو أخذ السند على يد مصري، ولا ينكر فضل هؤلاء العلماء أحد، فمدرسوها وأساتذتها لهم فضل كبير على العرب وعلى المسلمين بل على جميع العالم في مساجدهم وجامعاتهم ومدارسهم، ولمصر من العلماء في الطب وفي الذرة وفي الهندسة وفي الدعوة وفي الأدب وفي غير ذلك أمر لا يجارى أبدا، وإذا أردت القرآن وتجويده فالتفت إلى مصر، وإذا أردت اللغة والفصاحة فإنك ستنتهي إلى مصر.
وإذا أردت الأخلاق الحسنة وحلاوة اللسان وحلاوة التلاوة والقرآن فالتفت لزاما إلى مصر، فإنها بلد عظيم القدر، فقد أشار الله تعالى لكبر مصر وأشار لعظم مساحتها فقال تعالي في سورة الشعراء ” فأرسل فرعون في المدائن حاشرين” وهذا يدل على كثرة مدنها، ولعظم قدر مصر منذ القديم افتخر الهالك فرعون بأنه يملكها دون غيرها، فقال كما حكى الله عز وجل عنه ” أليس لي ملك مصر” وقال عمرو بن العاص رحمه الله ورضي عنه ” ولاية مصر جامعة تعدل الخلافة” ويعني ولاية كل بلاد الإسلام في كفة، وولاية مصر في كفة أخري، وقال سعيد بن هلال “إن مصر أم البلاد، وغوث العباد، وإن مصر مصورة في كتب الأوائل، وقد مدّت إليها سائر المدن يدها تستطعمها وذلك لأن خيراتها كانت تفيض على تلك البلدان”
وقال الجاحظ “إن أهل مصر يستغنون بما فيها من خيرات عن كل بلد، حتى لو ضرب بينها وبين بلاد الدنيا بسور ما ضرها” وفي مصر رباط الإسكندرية الذي رابط فيه العلماء والزهاد والعباد والمجاهدون والأبطال والشجعان، وقال أبو الزناد صاحب أبي هريرة رضي الله تعالى عنه “خير سواحلكم رباطا الإسكندرية” وقال سفيان بن عيينة يوما لأحمد بن صالح “يا مصري أين تسكن؟ قال “الفسطاط” قال “فائتي الإسكندرية فإنها كنانة الله، يجعل فيها خير سهامه” فأسأل الله سبحانه وتعالى أن يحفظ جميع بلدان المسلمين عامة، وأن يحفظ مصر خاصة، وأسأل الله تعالى أن يجمع شملهم، فاللهم ولي عليهم خيارهم، واللهم اجعل ولايتهم فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين، أقول ما سمعتم وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه.
زر الذهاب إلى الأعلى