الدكروري يكتب عن التأثير على آدم بالوسوسة
بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : الأربعاء الموافق 6 ديسمبر
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن نبينا ورسولنا محمدا عليه الصلاة وأتم التسليم، أما بعد يقول المثبتون للجنة التي كان يعيش فيها آدم وحواء عليهما السلام بأنها هي جنة الرضوان، لقد وجد إبليس أن التأثير على آدم بالوسوسة عديم الجدوى لأن الوسوسة شيء خفي يحدُث في النفس، فتحولها عن عمل الصواب، وأنها تقوم بعمل منكر فيه مخالفة الفطرة السليمة والتعاليم الدينية التي أمر الله باتباعها عن طريق الرسل والكتب المنزلة عليهم لذلك فإن القلب النابض الواعي يكتشف هذه الوسوسة فيتخلص منها، وأمام هذا لم يكن أمام إبليس سوى الاحتيال لمقابلة آدم فبالمقابلة يتحقق ما لا يتحقق بالوسوسة عن بعد.
فسعى لدخول جنة آدم ومكان سكناه، وذكرت التفاسير أن إبليس حاول دخول الجنة فمنعه خزنتها فعاد أدراجه، لكنه لم ييئَس فهو مسلط على آدم، ثم طلب من الحية أن تدخله على آدم فإن معه نصائح له، فدخل جوفها وكلم آدم من جوفها فلم يحفل به آدم، فخرج من جوفها، فما زال يغريه ويقسم له إنه ناصح له، وإن ما جرى بين آدم وإبليس من حوار لم يكن عن طريق المقابلة، ولا عن طريق دخول إبليس الجنة عن طريق الحية أو غيرها، فهذا لم يحصل، وليس ثابتا، وإن الجنة فعلا محرمة على الكافرين لذلك كان هذا الحوار بين آدم وإبليس على طريقة الحوار بين المؤمنين الذين في الجنة والكفار الذين في النار، الذي صوره لنا القرآن الكريم، فكان حوارا لم يدخل أحد الطرفين مكان الآخر، وكان الحوار وأهل الجنة في جنتهم.
وأهل النار في نارهم، ومحرم عليهم دخول الجنة، فعلى مثل هذا التصور حصل الحوار بين آدم وإبليس، وحصول الإغواء دليل الضعف البشري أمام شهوة النفس، وورد في التفسير أن آدم عليه السلام امتنع عن الأكل، لكن الحيلة انطلت على حواء، فتقدمت وأكلت من الشجرة، ثم قالت يا آدم، كُل فإني أكلت فلم يضرني وهي صادقة لأن المنع كان مرتبطا بهما معا، فلو أكل أحدهما ولم يأكل الآخر لم تحصل المخالفة لأنها مشروطة بأكلهما معا، وآيات المنع تنطق بهذا، فلما أكلت حواء من الشجرة وحدها لم يحصل لها التعرية، فاطمأنت لهذا، وأخبرت آدم أنها أكلت، ولم يحدث شيء غير مألوف لها، وبهذا خدع آدم، وربما نسي أن المنع كان لكليهما معا، فإن أكلا معا وقعت المخالفة، فأكل آدم بعدها، وكان الزلزال فبدت لهما سوءاتهما.
وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة، وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن ابن عباس رضي الله عنهما قال “قال الله لآدم ما حملك على أن أكلت من الشجرة التي نهيتك عنها؟ قال يا رب، زينته لي حواء، قال فإني عاقبتها بألا تحمل إلا كرها، ولا تضع إلا كرها، وأدميتها في كل شهر مرتين” وأخرج البخاري ومسلم والحاكم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال “لولا بنو إسرائيل لم يخنز اللحم أي يفسد، ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها” إشارة إلى سبقها آدم الأكل، أو طلبها منه حيث قالت له أكلت ولم يحدث شيء، فشجعته على الأكل، والخيانة هنا ليست الخيانة في العرض، وإنما ميل الأنثى لفرض رأيها على زوجها، ولو كانت على خطأ.
وقال ابن حجر “وفي الحديث إشارة إلى تسلية الرجال فيما يقع لهم من نسائهم بما وقع من أمهن الكبرى، وأن ذلك في طبعهن، فلا يفرط في لوم من وقع منها شيء من غير قصد إليه” والحديث الأول ليس بالقوي، ولو صححه الحاكم.
زر الذهاب إلى الأعلى