الدكروري يكتب عن النهي عن قتل النساء والصبيان في الحروب
بقلم / محمــد الدكـــروري
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين، لقد كان صلي الله عليه وسلم يغشى مخالفيه في دورهم فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال بينا نحن في المسجد إذ خرج إلينا رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال “انطلقوا إلى يهود فخرجنا معه حتى جئناهم فقام رسول الله صلي الله عليه وسلم فناداهم فقال ” يا معشر يهود أسلموا تسلموا” فقالوا قد بلغت يا أبا القاسم ” وعاد صلي الله عليه وسلم يهوديا، كما في البخاري عن أنس رضى الله عنه أن غلاما ليهود كان يخدم النبي صلي الله عليه وسلم فمرض فأتاه النبي صلي الله عليه وسلم يعوده فقال ” أسلم، فأسلم”
وكان صلي الله عليه وسلم يعامل مخالفيه من غير المسلمين في البيع والشراء والأخذ والعطاء، فعن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها قالت ” توفي النبي صلي الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين، يعني صاعا من شعير، وكان صلي الله عليه وسلم يأمر بصلة القريب وإن كان غير مسلم فقال لأسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما صلي أمك” ولقد جاء النهي عن قتل النساء، والصبيان في الحروب فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال “وجدت امرأة مقتول في بعض مغازي رسول الله صلي الله عليه وسلم، فنهى رسول الله صلي الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان” رواه البخاري ومسلم، فإذا لم يحملوا السلاح أي النساء، والصبيان ولم يعينوا على المسلمين لم يجز مسهم بسوء ولم يجز قتلهم ولا إعمال السلاح فيهم.
وقام أئمة الإسلام بالدفاع عن أهل الذمة في البلدان التي كانت تحكم بالشريعة عندما يتعرضون للظلم، فقام الأوزاعي رحمه الله يشكو والي جبل لبنان من أقرباء الخليفة إلى الخليفة لأنه أجلى جماعة من أهل الذمة لخروج نفر منهم على عامل الخراج، فقال “لا تزر وازرة وزر أخرى” فلا يؤخذ البرئ بجريرة المذنب، ولما عمد الوليد بن يزيد إلى إجلاء الذميين من قبرص إلى الشام تحسبا لحملة رومية اعترض الفقهاء على مسلكه، وشيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله رحمه أن يطلق التتار أسرى المسلمين دون أهل الذمة، فأصر شيخ الإسلام على التتار أن يطلقوا أهل الذمة مع المسلمين، لأن التتار أخذوا من الجميع أسرى، وإن صلاح الدين الأيوبي رحمه الله لما جاءته المرأة من الكفار النصارى وهم أعداؤه تطلب منه طلبا خاصا.
وهو أن يرد إليها ولدها الصغير، أمر بالبحث عنه فوجده قد بيع مع السبي وهذا حق للمسلمين إذا حاربوا الكفار وحاربهم الكفار أن يؤخذ نساء الكفار وأولادهم سبيا يتربون عند المسلمين فيتأثروا بالإسلام فينشئوا عليه، وكان في ذلك فائدة كبيرة بدلا من أن ينشئوا عند آبائهم الكفار، فلما وجد صلاح الدين الولد قد بيع اشتراه بماله الخاص، ووهبه لتلك المرأة، ولما أراد بعض خلفاء المسلمين أن يبادل الأسرى مع الكفار وقف المسلمون على طرف النهر والكفار على الطرف الآخر وبينهما جسر وصار يعبر واحد من أسرى المسلمين من طرف الكفار وواحد من أسرى الكفار من طرف المسلمين مبادلة الأسرى واحد بواحد، وهكذا حصلت المبادلة فانتهى المسلمون الأسرى وبقي أسرى من الكفار في يد الخليفة.
فرأى إظهارا لمنة الإسلام على الكفار وكسبا للموقف أن يطلق البقية الباقية بدون مقابل، ولذلك كان حكم الشريعة في الأسرى الكفار المأخوذين إما أن يقتلوا وإما أن يسترقوا وإما أن يفادوا بالمال وإما أن يُمن عليهم بلا مقابل، ليس بحسب الهوى، لكن بحسب ما تقتضيه المصلحة الشرعية، فإن كانوا من أهل الخبرة في القتال ولو رجعوا للكفار كانوا وبالا على أهل الإسلام يقتلون ولا يتركون، ولو كان في أخذهم سبيا مصلحة لهم وللمسلمين يؤخذون سبيا، ولو كان من المصلحة تحصيل مال مقابل لهم من أجل حاجة للمسلمين كان الفداء بالمال، وإن كان عند الكفار أسرى في المقابل من المسلمين تكون المبادلة الأسرى بالأسرى، وإن كانت المنة هي المصلحة الشرعية كسبا للموقف وتأثيرا دعويا في الكفار يطلق الأسرى بلا مقابل، بحسب ما تقتضيه الشريعة.
زر الذهاب إلى الأعلى