الدكروري يكتب عن روح المنافسة فى الخيرات
بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : الجمعة الموافق 24 نوفمبر
الحمد لله رب العالمين الأول والأخر والظاهر والباطن وهو بكل شي عليم واشهد ان لا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم، إن مصطلح التغيّر والصيرورة مصطلح فلسفي، يعني أن الأشياء تنتقل باستمرار من حال إلى آخر، ولا تستقر على وضع ثابت، فكل شيء تراه، أو لا تراه، من أخلاقه التبدل والتغير من تراب، ماء، خلايا، حجر، نباتات، أشجار وغيرهم، ومبدأ الصيرورة هذا صحيح لا غبار عليه، غير أن مجال الصيرورة، المستمرة، مقصور على ظاهرات المادة وحدها مثل اللون، الصلابة، الحرارة، الطول، العرض، ولا شأن له بماهيتها وجوهرها فجوهر المادة شيء، ثابت، لا يطوله تطور، ولا يدنو منه تغيير.
ولذا فإن مبدأ الصيرورة، ليس المبدأ الوحيد الذي يسبح في كوننا، فإن في مقابله مبدأً آخر، ألا وهو مبدأ الثبات والرسوخ، فالنظام الكلي في مجموعه ثابت، مستقر، خذ على سبيل المثال حركة الأفلاك، ودوران الأرض، وتعاقب الليل والنهار، والقوانين الفيزيائية، وحاجة الإنسان إلى الطعام، والشراب، وتحريم الظلم، وإقامة العدل كل هذه الأمور وغيرها كثير هي على حالها لم تزل، لم يمسها التغيير والتطور بسوء، فإنها سنة الله تعالي ولن تجد لسنة الله تبديلا، ولا تحويلا، ولقد كانت روح المنافسة فى الخيرات بين المسلمين الأوائل، ولقد كان صلى الله عليه وسلم مثالا أعلى في المسارعة إلى الخير، لذلك كانت النتيجة لهذه المسارعة أن قال النبى صلى الله عليه وسلم “كم من عذق رداح” أى مثمر وممتلئ، في الجنة لأبي الدحداح”
فكانت لأبى الدحداح صورة مشرقة، ولوحة رائعة يزيّنها مثل مسارعة الصحابة، ومبادرتهم إلى فعل الخيرات، يوم أن عظم الخطب واشتد الأمر علي رسول الله صلي الله عليه وسلم في يوم تبوك الذى سماه الله تعالى يوم العسرة وقد فتح الرسول صلى الله عليه وسلم باب التبرع علانية حتى يحفز المسلمين، وكان أول القائمين عثمان بن عفان رضي الله عنه، وهذا أبو مسلم الخولاني عندما كان يقوم الليل فإذا تعبت قدماه ضربها بيديه قائلا ﻗﻮﻣى ﻓﻮ ﺍﻟﻠﻪ ﻷﺯﺣﻔﻦ ﺑﻚ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﺯﺣﻔﺎ ﺣﺘﻰ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻜﻠﻞ ﻣﻨﻚ ﻻ ﻣﻨﻲ” ﺃﻳﻈﻦ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﻣﺤﻤﺪ صلى الله عليه وسلم ﺃﻥ ﻳﺴﺘﺄﺛﺮﻭﺍ ﺑﻪ ﺩﻭﻧﻨﺎ، ﻭﺍﻟﻠﻪ ﻟﻨﺰﺍﺣﻤﻨﻬﻢ ﺇﻟﻴﻪ ﺯﺣﺎﻣﺎ ﺣﺘﻰ ﻳﻌﻠﻤﻮﺍ ﺃﻧﻬﻢ ﺧﻠﻔﻮﺍ ﻭﺭﺍﺀﻫﻢ ﺭﺟﺎﻻ، فهو يريد المنافسة، ويريد أن يزاحم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدار الآخرة.
وهنيئا له بهذه المنافسة الشريفة، وكان للتنافس فيما بينهم في فعل الخيرات أثر كبير في حياتهم، فكان التنافس سببا لرفع الهمة، وإثارة الحماس، فبادروا في اغتنام حياتكم قبل فنائها، وأعماركم قبل انقضائها بفعل الخيرات والاكثار من الطاعات، فإن الفرص لا تدوم، والعوارض التي تحول بين الانسان وبين العمل كثيرة وغير مأمونة، وقد روى البخارى عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “الخيل لثلاثة لرجل أجر، ولرجل ستر، وعلى رجل وزر، فأما الذى له أجر، فرجل ربطها في سبيل الله فأطال طيلها في مرج أو روضة، فما أصابت في طيلها ذلك في المرج والروضة كان له حسنات، ولو أنها قطعت طيلها فاستنت شرفا أوشرفين، كانت آثارها وأرواثها حسنات له.
ولو أنها مرت بنهر فشربت منه ولم يرد أن يسقى به كان ذلك حسنات له، وهى لذلك الرجل أجر، ورجل ربطها تغنيا وتعففا، ولم ينس حق الله في رقابها ولا ظهورها، فهي له ستر، ورجل ربطها فخرا ورئاء ونواء، فهي على ذلك وزر” ورُوى عن السيدة عائشة رضى الله عنها أنها تصدقت بعنبة، وقالت “كم فيها من مثقال ذرة؟” وكان المسلمون يرون أنهم لا يؤجرون على الشيء القليل الذى أعطوه، فيجيء المسكين إلى أبوابهم فيستقلون أن يعطوه التمرة والكسرة والجوزة ونحو ذلك، فيردونه ويقولون ما هذا بشيء إنما نؤجر على ما نعطي ونحن نحبه.
زر الذهاب إلى الأعلى