الدكروري يكتب عن إن عصى الله فيك فأطع الله فيه
بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم السبت : الموافق 4 نوفمبر
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله الطيبين وصحبه أجمعين، الذي يصور لنا الصحابي الجليل خبيب بن عدي رضي الله عنه مدى حب الصحابة رضوان الله عليهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم عندما صلبوه وقالوا له أتتمنى أن يكون محمد في مكانك وأنت آمن في بيتك؟ قال ” والله لا أتمنى أن يشاك رسول
الله صلى الله عليه وسلم شوكة واحدة وأنا آمن في بيتي ” وقال عنه صاحبه المقرب أبو بكر الصديق رضي الله عنه ” إنه لرسول الله ” وإذا كان من الطبيعي أن يحب ويثني التابعون على متبوعهم، فالعجيب هو ثناء الأعداء والمخالفين، فلم يشهد بصدق النبي صلى الله عليه وسلم وحسن أخلاقه المؤمنون به فقط، بل شهد له الكثير من المنصفين من أعدائه الذين لم يؤمنوا به.
فعندما اطلعوا على سيرته صلى الله عليه وسلم الصحيحة لم يجدوا فيه مغمزا لقادح، ولا مطعنا لجارح، فلم يملكوا إلا الاعتراف له بالفضل وحسن الخلق والسيادة، وهذه هي الحقيقة التي أبصرتها عقول منصفة قديما وحديثا وإن كانت مخالفة له، ففي القديم قال عنه كفار مكة الذين لم يؤمنوا به ” ما جربنا عليك إلا صدقا” وفي تحكيمه بينهم لاختلافهم على وضع الحجر الأسود في الكعبة قالوا ” هذا الأمين، رضينا، هذا محمد ” وفي العصر الحديث أقوال كثيرة لعلماء ومفكرين وأدباء غربيين تدل على عظمة النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها قول أحدهم ” إذا ما حكمنا على العظمة بما كان للعظيم من أثر في الناس قلنا إن محمد صلى الله عليه وسلم كان من أعظم عظماء التاريخ ” فاللهم صلي وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد قيل أنه جاء رجل إلى الصحاب الجليل عبد الله بن مسعود وقال له إن لي جارا يؤذيني ويشتمني ويضيّق عليّ، فقال ابن مسعود اذهب فإن هو عصى الله فيك فأطع الله فيه، بلغ ابن المقفع أن جارا له يبيع داره في دين ركبه، وكان يجلس في ظلّ داره فقال ما قمت إذن بحرمة ظل داره فدفع إليه ثمن الدار وقال لا تبيعها، ولكن من هو الجار؟ فإن الجار هو الذي يلاصق أو يقرب سكنه من سكنك، وحدد العلماء دائرة الجيرة إلى مدى أربعين دارا من كل جهة من أمام، وخلف ويمين وشمال، ومن كان هذه حاله فله من الحقوق وعليه من الواجبات ما يجعل الجوار نعمة وراحة، والإسلام يقوم على جملة مرتكزات ترتقي بالفرد وتسمو بالمجتمع، ومن أهم تلك المرتكزات هي المبادئ الأخلاقية والقيم الفاضلة التي تجعل من الأمة أسرة مترابطة.
ولكي تسلم العلاقات الاجتماعية ينبغي أن تقوم على الأسس التي دعا إليها القرآن الكريم حيث قال تعالى كما جاء في سورة الحجرات ” يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير” وذكرت الآثار بأن المعتزل عن الناس مفارق للجماعة، مُخالف للسنة، فالمرء قليل بنفسه كثير بإخوانه، ولذا حرص الإسلام على عقد روح التعاون بين الجيران ومن مظاهر الإيمان الكامل أن يحب الإنسان لجاره ما يحب لنفسه، حيث قال صلى الله عليه وسلم “والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحب لجاره ما يحب لنفسه” رواه مسلم، وإن حقوق الجار كثيرة منها هو إلقاء السلام وردّه، لما في ذلك من ربط القلوب بعضها ببعض، وهو عمل صالح رفيع، وأبخل الناس مَن بخل بالسلام.
زر الذهاب إلى الأعلى