سمير الدسوقى يكتب
((وداعا ماما أمريكا))
لمصر ثقلها السياسي و الاستراتيجي في المنطقة ؛ لهذا هي أكثر دولة عربية تعرضت للمؤامرات من السياسات الأمريكية المتعاقبة و التي حاولت منذ الرئيس أيزنهاور الذي وقف ضد العدوان الثلاثي 1956 على مصر، ليس من أجل سواد عيون المصريين ولكن ؛ لتكون أمريكا هي الوريث الغير شرعي للإمبراطورية البريطانية التي كانت قد شاخت بالفعل، و للوقوف أمام محاولات الاتحاد السوفيتي السابق لملء هذا الفراغ.
واستمر المبدأٌ الذي يحكم توجه الولايات المتحدة في الفترة 1956 -1991، في العلاقة مع جمهورية مصر العربية،، وهذا المبدأ أن مصر إذا قويت ، تقدمت ونهضت والعرب كلهم سيتبعونها ، و العكس صحيح ؛ لذا يجب أن تظل مصر ” مابين بين “، أي مابين “النهضة” و ” السقوط” بمعنى آخر حالة الدولة “الجيلي” فلا الدولة منهارة ولا هي صلبة قوية ؛ لأن السقوط الكامل يؤدي إلى كوارث لا تحمد عقباها بالنسبة لأمريكا، و هذا ما حدث جزئيا فيما يسمي بثورات الربيع العربي والتي فجرتها تونس ثم مصر ؛ لتفتيت المنطقة العربية بمساعدة الإخوان المسلمين في صالح إسرائيل.
لقد كان الديمقراطيون تحت حكم أوباما 2009-2016 أكثر دهاءً، حين أشعلوا شرارة الانتفاضات التخريبية العربية في بداية هذا العقد بتبنيهم الكامل و القوى لقضايا حقوق الإنسان و ” مناضلو الإنترنت ” ؛ لزعزعة استقرار نظام مبارك و الذي كان بالفعل بدأ يتهاوى بفعل عوامل عديدة. و هناك معلومات موثقة في أكثر من مصدر عن التدريبات و التمويل الذي تلقاها نشطاء حقوق الإنسان في مصر و تونس على الأخص في الداخل و الخارج من منظمات غربية غير حكومية و خاصة منظمتي ” فريدوم هاوس”، و ” التبرع من أجل الديمقراطية”، و كلتاهما منظمات أمريكية، ومن المثير أن هذه التدريبات كانت قد بدأت منذ عام 2004 تحت إدارة بوش الابن 2000-2009،وحدثت ثورات الربيع التخريبي، لكن ثورة الثلاثين من يونيو أجهضت تلك المخططات باعتراف هيلاري كلينتون في مذكراتها..
وتعامل الرئيس ترامب مع الرئيس السيسي الذي تولى رئاسة مصر في 2014 بشكل مباشر و صريح وربما أكثر من اللائق سياسيا ؛ لمعرفته بحجم مصر، و هذا يتناسب مع شخصية ترامب غير المسبوقة بين روؤساء الولايات المتحدة الأمريكية ؛ فترامب كما يؤكد الدكتور “دان ماك أدامز” عالم النفس الأمريكي في حديث مع جريدة الأهرام المصرية بتاريخ 7 ديسمبر شخصية مضطربة لا يمكن تحليلها بأدوات علم النفس التقليدية، شخصية براجماتية جدا، تعيش اللحظة و لاتهتم بالماضي و لا تعترف بالهزيمة، كل شيء عنده مكسب أو خسارة .
إذن سياسة ترامب تجاه مصر على النفعية المباشرة حين أراد في مرات عديدة أن يستفيد من ثقل مصر الإقليمي في المنطقة في حزمة من الأزمات الدبلوماسية و السياسية في منطقة الخليج و مع تركيا و إسرائيل، ثم يأتي الرئيس بايدن،نسخة طبق الأصل من هيلارى كلينتون وأوباما، أيضا يريد الاستفادة من وزن مصر الإقليمي، ولكن عبر التهديد بملفات عديدة منها ملف حقوق الإنسان و ليس من خلال الإغراءات التي كان يقدمها ترامب .
والمتتبع لسياسة مصر يدرك جيدا، الخطوات التي يقوم بها الرئيس عبد الفتاح السيسي، فهي توضح أنه يفهم قواعد اللعبة التي سوف ترافق إدارة بايدن الجديدة في البيت الأبيض، بعقلية الصقر المخابراتي، الذي يحسب للأمور حساباتها الدقيقة، ويناور ويدافع عن المنطقة العربية كلها لأن مصر تمتلك من الكروت السياسية ما لا يمتلكه غيرها، ضد الثورات و الفوضى في المنطقة..
مصر – ياسادة – مقبرة لكل من يحاول هدمها أو تدميرها، فمصر عصية على الانكسار؛ فهي التي أضاعت حلم أمريكا والإخوان… مصر القوية بتلاحم شعبها وجيشها خلف قائدها المخلص الأمين… مصر الباقية دائما بإذن الله رغم أنف الخونة والجهلاء والأغبياء ومزورى التاريخ، ” ويمكرون ويمكر اللهُ ، واللهُ خير الماكرين”. صدق الله العظيم…
زر الذهاب إلى الأعلى