خلال الأحداث الجارية في غزة المحتلة ، عاد إلي الأذهان مصطلح الشرق الأوسط الجديد أو الكبير ليحتل الموقع الأهم ضمن مفردات الخطاب السياسي والاستراتيجي والإعلامي . واثير حوله العديد من التساؤلات المفعمة بالتخوفات حول ( هل سيصبح مشروع الشرق الأوسط الجديد واقعا ؟ ) في ظل الدعم الأمريكي – الغربي لاسرائيل .فضلا عن التخوف من أن مشروع الشرق الأوسط الجديد) ستكون ساحته، بالإضافة إلى فلسطين ، سوريا وليبيا والعراق واليمن، منطقة الخليج العربي وإيران ولبنان وقد يمتد أيضاً لدول شمال افريقيا.
ان التخطيط الغربي والأمريكي لاحتواء دول المنطقة في أحلاف موالية للغرب وإحلال مصطلح الشرق الأوسط محل العالم العربي مع توسعة جغرافية لاستيعاب دول أخرى خصوصا إسرائيل تعود لبدايات القرن العشرين
كانت البداية في مؤتمر كامبل بانورمان( ١٩٠٥ – ١٩٠٧ م )
مؤتمر كامبل بنرمان، هو مؤتمر انعقد في لندن عام ١٩٠٥ م واستمرت جلساته حتى ١٩٠٧ م بدعوة سرية من حزب المحافظين البريطانيين بهدف إلى إيجاد آلية تحافظ على تفوق ومكاسب الدول الاستعمارية إلى أطول أمد ممكن.
مؤتمر ١٩٠٧ هو المؤتمر الذي تنفذ توصياته اليوم وتنفذ افكاره ويسعى لتحقيق اهدافه … من لم يقرأ عن ذلك المؤتمر لن يفهم كل ما يجري في الوطن العربي
ففي عام ١٩٠٧ دعا رئيس وزراء بريطانيا آن ذاك كامبل بانورمان لعقد مؤتمر لدول اوربا … استثنى المانيا . كل ما يجري اليوم في الوطن العربي هو تنفيذ لما خطط له في ذلك المؤتمر من خلق عدم التوازن وزرع جسم غريب في الوطن العربي ( هو اسرائيل ) ومنع اي نهضة عربية ، وضمان تفوق الدول الاستعمارية الي اطول أمد ممكن
عاد الحديث مجددا عن هذا الموضوع مع رئيس وزراء إسرائيل الأسبق شيمون بيريز عام ١٩٩٤ م عندما طرح فكرة الشرق الأوسط الجديد في كتابه الذي يحمل نفس الاسم ( شرق أوسط جديد ).
ثم تكرر الحديث عنه في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق أوباما وأسهبت في شرحه كونداليزا رايس وزيرة خارجيته مرة باسم الشرق الأوسط الجديد ومرة الكبير وما يتضمنه من سياسة (الفوضى الخلاقة) التي شرع بتنفيذها عملياً فيما يسمى الربيع العربي.
كل الأحداث التي مرت على المنطقة منذ أن جددت الإدارة الأمريكية مشروع الشرق الأوسط الجديد والكبير ما بين عامي ٢٠٠٤ – ٢٠٠٦ م كانت تمهد لما يجري اليوم، حيث جرفت فوضى ما يسمى الربيع العربي آخر حصون الممانعة للمشروع، فالنظام الإقليمي العربي انهار بالكامل من جامعة الدول العربية التي باتت عاجزة ومشلولة إلى الاتحادات العربية الإقليمية وآخرها دول مجلس التعاون الخليجي، والفكر القومي الوحدوي العربي اندثر ولم يعد له أدوات تنفيذية فاعلة من أحزاب ودول بل لم نعد نسمع في الخطاب السياسي الرسمي وحتى الشعبي مصطلحات مثل: الأمة العربية، العالم العربي، الأمن القومي العربي، المصير العربي المشترك… الخ ، وحلت محله النزعات الطائفية والعرقية، والقواعد الأمريكية انتشرت في غالبية الدول العربية وفي مقدمتها قطر والإمارات العربية المتحدة ومن ليس بها قاعدة تربطها بأمريكا اتفاقية أمنية، كما تزايدت وتيرة التطبيع مع إسرائيل .
لم يغب الاهتمام الأمريكي بالمنطقة سواء من خلال التدخل العسكري المباشر أو من خلال التدخل عن طريق الوكلاء من أنظمة وجماعات إسلامية متطرفة كما جرى خلال فوضى الربيع العربي، ودوماً كان الهدف الاستراتيجي من الاهتمام والتدخل ليس فقط لموقعها الاستراتيجي وثرواتها من الغاز والنفط. بل في سعي منها لإحداث تغيير في جيوبوليتيك المنطقة تثبت إسرائيل كمكون رئيسي في المنطقة، ونجحت إسرائيل بمساندة واشنطن في تغيير طبيعة الصراع وأطرافه في الشرق الأوسط وتحولت من عدو وخصم إلى حليف استراتيجي خصوصاً بالنسبة بالمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة .
وعقب احداث ٧ اكتوبر الجاري ، ظهر جليا الوجه القبيح لفكرة شرق أوسط جديد وهو ما كشف عنه كل من رئيس وزراء اسرائيل والرئيس الأمريكي في وقت واحد ( سنغير خريطة الشرق الأوسط ) في إشارة إلي تصفية القضية الفلسطينية وتوطين سكان غزة في سيناء وتوطين سكان الضفة الغربية في الاردن .
ولم يقف دعم إسرائيل في مخطط شرق أوسط جديد عند الرئيس الأمريكي ، بل امتد ليشمل رئيس وزراء بريطانيا .ليؤكد للجميع أن ما يحدث اليوم بدأ التخطيط له منذ عام ١٩٠٧ م .
العالم ككل يترقب ما سيحدث خلال الأيام القليلة القادمة ، هل ينجح مخطط شرق أوسط جديد ؟ أم أنه سيبوء بالفشل في حالة وجود لحمة عربية في مواجهة هذا المخطط ؟
الأيام القليلة القادمة ستكشف لنا ما سيؤل إليه الأمر.