الدكروري يكتب عن إنهيار الحضارة وإصابتها بالطرد
بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحد لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، الذي كان رغم بُعده صلى الله عليه وسلم عن الغدر ولو مع الأعداء، وتنفيره الشديد من الغدر، فقد أجاز الخدعة في الحرب وقال صلى الله عليه وسلم ” الحرب خدعة” رواه البخاري، ومن الخديعة في الحرب مفاجأة العدو وأخذه على غرة قبل أن يستعد للقتال، وما شابه ذلك من الحيل، ولهذا كان صلى الله عليه وسلم يبعث بسرايا كثيرة فيوصيهم بالسير ليلا والاستخفاء نهارا حتى يباغتوا عدوهم، والخدعة في الحرب لا تكون بنقض عهود أو مواثيق، وقال النووي “اتفق العلماء على جواز خداع الكفار في الحرب كيف أمكن الخداع.
إلا أن يكون فيه نقض عهد أو أمان فلا يحل” فالغدر ونقض العهود ليس من أبواب الحيلة والخداع الجائز في الحروب، وما وُجد على الأرض أعظم خُلقا وأرحم بالناس، وأوفى بوعد وعهد من نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ولم تتخلف رحمته وينقض وفاؤه صلى الله عليه وسلم حتى مع أعدائه الذين آذوه وحاربوه، وبذلوا غاية جهدهم للقضاء على دينه ودعوته، وكادوا له ولصحابته، والسيرة النبوية المشرفة بما فيها من غزوات وأحداث مليئة بالمواقف المضيئة الدالة على ذلك، وقد أقر وشهد أعداؤه بوفائه وهم في شدة عداوتهم له، فقال مكرز لرسول الله صلى الله عليه وسلم “ما عُرفت بالغدر صغيرا ولا كبيرا، بل عُرفت بالبر والوفا” ولما سأل هرقل أبا سفيان بن حرب وهو يومئذ ما زال كافرا ” أيغدر محمد؟ فقال لا، فقال هرقل وكذلك الرسل لا تغدر “
ومن نعم الله علينا وعلى البشرية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بُعث بالرحمة للناس جميعا، ورحمة النبي صلى الله عليه وسلم بالمسلمين المؤمنين به أمر معلوم، فهم أتباعه ومحبوه وهم الذين يعتقدون عقيدته ويدينون بدينه، لكن رحمته صلوات الله وسلامه عليه لم تقتصر على المؤمنين، بل شملت حتى الكافرين به، ويؤكد الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله ” أنا نبي الرحمة ” رواه مسلم، وأما الحضارة وانهيارها وإصابتها بالطرد من كنف الله، كم امتدت جذورها فان من قبلنا عبرة فيقول الله عز وجل فى سورة هود ” ويا قوم لا يجرمنكم شقاقى أن يصيبكم ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد” فإنهم كانوا في الحجر وهي بين الشام والحجاز، ونلمح من تذكير صالح لهم أثر النعمة والتمكين في الأرض لثمود.
كما نلمح طبيعة المكان الذي كانوا يعيشون فيه، فهو سهل وجبل وقد كانوا يتخذون من السهل القصور وينحتون في الجبال البيوت، فهي حضارة عمرانية واضحة المعالم في هذا النص القصير، ونبى الله صالح يذكرهم باستخلاف الله تعالى لهم من بعد عاد، وإن لم يكونوا في أرضهم ذاتها ولكن يبدو أنهم كانوا أصحاب الحضارة العمرانية التالية في التاريخ لحضارة عاد، وإن سلطانهم امتد خارج الحجر أيضا، وبذلك صاروا خلفاء ممكنين في الأرض محكمين فيها وهو ينهاهم عن الانطلاق في الأرض بالفساد، واغترارا بالقوة والتمكين، وأمامهم العبرة ماثلة في عاد الغابرين، ونتيجة اللعن ورفع الرحمة عن الأمة تأتي تقطيع الأمة إلى أمم شتى، كل واحدة على حدتها وهي المأزق الكبرى التي وقعت الأمة الإسلامية اليوم فيها، كان غضب الله على بني إسرائيل من هذا النوع.
فقال تعالى فى سورة الأعراف ” وقطعناهم فى الأرض أمما منهم الصالحون، ومنهم دون ذلك وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون” وإن ما وقع ببني إسرائيل تحت غضب الله ولعنته حتى رماهم بالتشريد ومزقهم في الأرض، وحصل ذلك لهم لأنهم لم ينكروا المنكرات الشائعة فيهم، بل تركوها تتوالد وتتكاثر الجراثيم حتى اغتالت كل صالحة فيهم” وإن الحضارة في اللغة هي مصدر الفعل حضر، وهي مرحلة سابقة من مراحل التطور الإنساني، وهي التمدن، والحضارة خلاف البداوة، وجمعها حضارات، وفي الاصطلاح الحضارة هي كل ما يشتمل على العقيدة، والفن والقانون والأخلاق والعادات وهي مجموعة من النظم التي تميز مجتمعا ما عن غيره من المجتمعات، كما أنها حصيلة ما يكتسبه الفرد في مجتمعه.
زر الذهاب إلى الأعلى error: Content is protected !!