التعلُّم الذاتي لرفع كفاءة العملية التعليمية في علوم الكمبيوتر
كتب دكتور / أحمد فتيت
التعليم هو حجر الأساس لأي مجتمع، ويعتبر التعليم الجيد هو الهدف الرابع من الأهداف السبعة عشر لأهداف التنمية المستدامة والموضوعة من قِبل منظمة الأمم المتحدة. اعتبر نفسي سعيد الحظ لكوني أعمل في مجال التعليم العالي، أقوم بالتدريس في فرع من فروع الكمبيوتر وهو الذكاء الاصطناعي، في واحدة من أكثر الجامعات ابتكارًا في لندن، وأتعامل مع الكثيرين من الطلاب الذين يُعتبرون من ألمع طلاب العالم وأكثرهم تفوقًا في علم الكمبيوتر. نحن نعيش في عصر تُعد فيه التقنيات أهم أدواته، مما أحدث تغيرات سريعة في سُبل الحياة المختلفة ومنها مجال التعليم، فالتطورات والفرص التي توفرها التكنولوجيا الحديثة لا حصر لها، ومجال علوم الكمبيوتر بات يتغير بوتيرة سريعة جدًا لدرجة أنها تخلق احتكاكًا هائلاً مع الطريقة التي يتم بها التدريس والتعليم الجامعي التقليدي. في الطريقة التقليدية للتعليم الجامعي يحتاج المحاضر فعليًا إلى سرد الحقائق والمعلومات التي لديه وتلقينها لعشرات أو حتى مئات الطلاب الجالسين في قاعة كبيرة، على أمل أن يفهم كل الطلاب المادة على نفس المستوى، ثم يقومون بعد ذلك بسردها مرة أخرى في الامتحان دون مراعاة الفروق الفردية بين الطلاب في اهتماماتهم. بالتأكيد قد يكون لهذه الطريقة الكثير من المزايا في بعض المجالات، ولكن في مجال علوم الكمبيوتر فلا، كيف يمكن لأي شخص يقوم بالتدريس الجامعي بالأسلوب التقليدي أن يواكب بشكل واقعي وتيرة التغيرات الحالية؟ بصفتك محاضر أو معلم جامعي عليك دائماً أن تكون مواكباً لأي تغييرات تحدث في مجال عملك لحظة بلحظة، ومُلم بكل موجة جديدة من التطورات التي تحدث، ويظل التحدي الرئيسي في تعليم علم الكمبيوتر هو كيفية تدريس موضوع دائم التغير بسرعة هائلة باستخدام أدوات دائمة التحرك. دعونا ننظر إلى دور المحاضر أو المعلم الجامعي كخبير يسهل عملية التعلم ويصبح دوره المرشد والناصح والموجه، فيركز على منح الطلاب حرية تحديد المواضيع التي يرغبون في اكتشافها ودراستها، واتخاذهم القرار بأنفسهم وتحمّل مسؤوليته لتحقيق أهدافهم الذي يريدون تحقيقها بدلًا من التركيز على دوره في نقل المعلومات والتلقين. نستطيع تحقيق ذلك من خلال دمج أسلوب التعلم الموجه ذاتيًا في طريقة التعليم، فيساعد المحاضرُ الطلاب في أخذ زمام المبادرة وتحديد اهتماماتهم واحتياجاتهم التعليمية، وأن يركزوا على الموضوعات التي تهمهم وتساعد في إبراز مواهبهم وقدراتهم وتزيد من مستوى الدافعية لديهم، بالتالي سيكون الإبداع في مجالات تحاكي اهتماماتهم بعد ذلك في سوق العمل والأوساط الأكاديمية، بدلاً من التركيز التام على نقل معلومات معينة إليهم وحفظها واسترجاعها مرة أخرى في ورقة الامتحان. أنا لا أقترح أن تتحول الجامعات تحولاً كاملاً إلى أسلوب التّعلُّم الموجه ذاتيًا، لكن جزءًا أكبر من المناهج بالتأكيد يحتاج إلى استيعاب ذلك. يمثل المستقبل مجموعة من التحديات في التعليم وثروة من الفرص على حد سواء، نحتاج فقط قليل من المرونة من أجل تحقيق أقصى استفادة من الإيجابيات وتحديث المناهج الجامعية لتشمل مكونات أكبر للتعلم الموجه ذاتيًا. نحن نحتاج محاضرًا يستطيع التعامل بطريقة التعلم الذاتي، ومتعلمين لديهم الدوافع الکافية التي تساعدهم على التعلم بشکل صحيح وفعّال، بالتأكيد هذا سوف يجعل التجربة الجامعية أكثر إفادة ومتعة لكل من الطلاب والمحاضرين وبالتالي تحقيق الأساس الذي تقوم عليه المجتمعات والدول لتحقيق التنمية المستدامة.