الدكروري يكتب عن مهمة الصالحين في الأرض
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي من بعده وعلى آله وصحبه وجنده الذي كان صلى الله عليه وسلم لا ينزع يده ممن يصافحه حتى ينزعها الذي يسلم عليه، ويزور الضعفاء والفقراء من المسلمين، ويعود مرضاهم ويشهد جنائزهم، ولما هابته الرجال فارتعدوا أمامه هوّن عليهم، وسكن من روعهم، وأزال ما في قلوبهم، فروى أبو
مسعود البدري رضي الله عنه “أن رجلا كلم النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح فأخذته الرعدة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم هون عليك فإنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد ” رواه الحاكم، والقديد هو اللحم المجفف في الشمس، وفي المجامع الكبيرة التي قد تدفع النفس إلى نوع من الكبر والتميز على الناس، كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يزداد فيها إلا تواضعا إلى تواضعه.
وأعظم جمع حضره في حياته، وخطب الناس فيه كان يوم عرفة، وقد توجهت إليه جموع الحجيج، ومع ذلك برز للناس على ناقته بكل تواضع وذل لله عز وجل، ومواقف النصر والفتوح تستبد بالقادة والفاتحين، وتستولي على نفوسهم، فيكون فيها فخرهم وعلوهم، ولا يقدر على التواضع فيها إلا أقل الرجال، وما حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم رغم كثرة فتوحاته وانتصاراته، أنه تعالى أو اغتر بنصر، ولا استبد به فتح، بل ازداد تواضعا إلى تواضعه، ويوم الفتح الأكبر حين دخل مكة منصورا مؤزرا، دخلها وقد طأطأ رأسه تواضعا لله تعالى، حتى إن رأسه ليمس رحله من شدة طأطأته، فاللهم صلي وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي آل محمد الطيبين المخلصين الطاهرين وأصحابه الغر الميامين رضي الله عنهم بإحسان إلي يوم الدين.
أما بعد فإن مهمة الصالحين هي العناية بالأرض والعمل على استقامة الحياة البشرية وأن يكون زمامها بيد الصالحين المصلحين، وكما يكونون ورثة الفردوس في الآخرة، لابد وأن يكونوا ورثة الأرض، فهل من الممكن أن يكونوا وارثين مكفوفي الأيدي؟ لا طبعا، وإن الصلاح والإصلاح هو ضد الفساد ونقيضه، وهي مصطلحات شرعية ربانية، أوردها الله تعالى في كتابه المحكم العزيز، وجاءت في القرآن على نحو كبير، يربو على السبعين بعد المائة من آيات القرآن الكريم، وإن واقع المسلمين اليوم يُنبئ عن وجود حاجة وضرورة ماسة وملحة إلى الإصلاح الشامل، حيث تتجاذب الاتجاهات والأفكار، وغيرها إلى ميدان الإصلاح، وكل اتجاه يحسب أنه المصلح لهذه الأمة حتي تاهت الأمة، وضاعت معالمها، ولكي نصلح من حال أمتنا.
لابد من التعرف على منهج الأنبياء والرسل في الإصلاح في ضوء القرآن الكريم، وإذا أردنا النهوض بأمتنا إلى بر الأمان وإنقاذها مما هي فيه من الهوان فعلينا أن نستوعب منهج الأنبياء والرسل في الإصلاح، وكيف دعوا أقوامهم إلى الفلاح بعد أن كانوا مختلفين وعن الحقيقة متفرقين، أي كانوا أمة واحدة فاختلفوا، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين، فقال ابن عباس رضى الله عنهما “كان بين نوح وآدم عشرة قرون، كلهم على شريعة الحق، فاختلفوا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين” وقال تعالى تعالى فى سورة النساء ” رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما” لذا كان منهج الأنبياء يتثمل في تحقيق التوحيد الخالص لكي يتحقق وعد الله بالاستخلاف في الأرض، والتمكين ونشر الأمن بعد الخوف.
لابد من تحقيق التوحيد الخالص، ولقد بعث الله الأنبياء لمهمة واحدة، هي عبادة الله وحده لا شريك له كما جاء في كتاب الله تعالى، وأما التوحيد الذي آمن به المشركون ولم يدخلهم في الإسلام فهو توحيد الربوبية، أي توحيد الله بأفعاله وأفعال الله هي الخلق والرزق وتدبير الأمور والإحياء والإماتة وهذا التوحيد لا يدخل به المرء في الإسلام، ولا ينفعه يوم القيامة، إلا إذا آمن بتوحيد الأنبياء لأن مشركي العرب كانوا يؤمنون بتوحيد الربوبية.
زر الذهاب إلى الأعلى