الدكروري يكتب عن الأمانة في حفظ ورد الودائع
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله الذي بعث في الناس رسولا يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، أحمدك يا رب على أن اخترت الرسول الكريم ليكون نورا للعالمين، ثم الصلاة والسلام على نبينا محمد الذي كان ضياء للسالكين، وقدوة للناس أجمعين، إنه رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم صاحب العفو الكبير، فلم ينتقم لنفسه قط، فيخرج للطائف لدعوتهم ثم يقابلونه بالطرد والرجم بالحجارة، يخرج مهموما حزينا، ليس لأنهم طردوه، ولكن لأنهم لم يقبلوا دعوته، وبعد لحظات يأتي جبريل ويقول يا محمد، إن الله سمع قول قومك وما ردوا عليك، وهذا ملك الجبال، فإن شئت أن يطبق عليهم الجبلين؟ فما كان من الرسول إلا أن قال “لا لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئا” ويأتي أحد الجهال ويجذب الرسول صلى الله عليه وسلم من عمامته من الخلف.
ويقول أعطني من مال الله الذي عندك، فيبتسم له الرسول صلى الله عليه وسلم ويأمر له بالعطاء، فصلوات ربي وسلامه عليه، وأما عن الأمانة في حفظ ورد الودائع، فإنه تشمل الوديعة الأشياء العينية من مال ومتاع وكل ما يؤتمن عليه الإنسان يجب أن يؤديه إلى أصحابه كاملة غير منقوص، ووفق هذا المعنى جاء قوله تعالى كما في سورة المؤمنون ” والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون” فهم يؤدون الأمانات والودائع إلى أهلها، وإذا اؤتمنوا على شيء لم يخونوا، وجاء فـي الحديث الشريف عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له” وأداء الودائع وسائر الأمانات واجب ولا سيما إذا طلبها صاحبها، ومن لم يؤدها في الدنيا أخذت منه في يوم القيامة، فعن أبو هريرة رضي الله عنه قال.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لتؤدن الحقوق إلى أهلها، حتى يقتص للشاة الجمّاء من القرناء” رواه احمد، فالأمانة بمعنى الوديعة حقها الأداء حيث ورد الأمر بذلك في القرآن الكريم صراحة ومؤكدا بصيغة لام الأمر، فقال الله تعالى في سورة البقرة ” فليؤدي الذي أؤتمن أمانته وليتقي الله ربه” وورد الأمر بصيغة التصريح بفعل الأمر برد الودائع والأمانات إلى أهلها، فقال الله تعالى كما جاء في سورة النساء ” إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلي أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل” وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال “القتل في سبيل الله يكفر الذنوب كلها إلا الأمانة، قال يؤتى بالعبد يوم القيامة وإن قتل في سبيل الله فيقال أدي أمانتك، فيقول أي رب، كيف وقد ذهبت الدنيا؟ فيقال انطلقوا به إلى الهاوية، وتمثل له أمانته كهيئتها يوم دفعت له، فيراها فيعرفها.
فيهوي في أثرها حتى يدركها، فيحملها على منكبيه، حتى إذا ظن أنه خارج نزلت عن منكبيه فهو يهوي في أثرها أبد الآبدين، ثم قال الصلاة أمانة، والوضوء أمانة، والوزن أمانة، والكيل أمانة، وأشياء عددها وأشد ذلك الودائع” رواه البيهقي، ومن الأمانة التي ضيعها كثير من المسلمين أمانة الصناعة وإتقانها حتى رأينا كثيرا من المسلمين يتهافتون على المنتج الغربي الياباني والألماني وغيرها من منتجات أتقنها صناعها، بأمانة وحسن الصنعة فراجت تجارتهم وارتفع اقتصادهم في حين أننا نرى كثيرا من المنتجات القومية والوطنية قد أعرض عنها المشتري لعلمه أنها افتقدت الأمانة فحين أننا أمة الأمانة والإتقان.
فإن الإتقان في العمل والمسئولية قيمة تربوية ومرتكز نفسي مؤثر، على أساسه ينبني الإنسان المسلم من بدايات حياته الأولى فاعلا ومؤثرا وناجحا، فيدع العجز والكسل، والقعود والخمول، وينطلق حيث الفعالية المؤثرة في شتى المجالات، وأما السياج المحيط بصنعة الصانع فهو سياج الأخلاق، فالأخلاق تحيطه وتحميه من النقص أو الخلل، فأمر بكل خلق يصلح به العمل، فلا عمل بغير أمانة.