الدكروري يكتب عن عقوبات الأعمال السيئة
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد لقد أقام النبي الكريم محمد صلي الله عليه وسلم في مكة ثلاثة عشر عاما يدعوا إلى عبادة الله تعالي وحده سرا ثم جهرا حيث أمره الله عز وجل أن يصدع بالحق فدعاهم بلين ولطف من غير قتال فأنذر عشيرته الأقربين ثم أنذر قومه ثم أنذر من حولهم ثم أنذر العرب قاطبة ثم أنذر العالمين، ثم قال سبحانه ” فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين” وقد آمن بالرسول صلي الله عليه وسلم قلة من الأغنياء والأشراف والضعفاء والفقراء والعبيد رجالا ونساء وأوذي الجميع في دينهم فعُذب بعضهم وقتل بعضهم وهاجر بعضهم إلى الحبشة فرارا من أذى قريش وأوذي معهم الرسول صلى الله عليه وسلم فصبر حتى أظهر الله دينه.
ولما بلغ الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم خمسين سنة ومضى عشر سنوات من بعثته مات عمه أبو طالب الذي كان يحميه من أذى قريش ثم ماتت من بعده زوجته خديجة التي كانت تؤنسه فاشتد عليه البلاء من قومه وتجرؤا عليه وآذوه بصنوف الأذى وهو صابر محتسب، صلوات الله وسلامه عليه، ولما اشتد عليه البلاء وتجرأت عليه قريش خرج إلى الطائف ودعا أهلها إلى الإسلام فلم يجيبوه، بل آذوه ورموه بالحجارة حتى أدموا عقبيه فرجع إلى مكة وظل يدعوا الناس إلى الإسلام في الحج وغيره، ولقد كانت حياته صلى الله عليه وسلم نقاء وصدقا وعفافا وطهرا، لم يجربوا عليه كذبا ؟ لم يظلم إنسانا؟ لم يخن صديقا ولا عدوا؟ لم يكشف عورة؟ لم يخفر ذمة؟ لم يقطع رحما؟ لم يتخل عن مروءة؟ لم يشتم أحدا؟ لم يشرب خمرا؟ لم يستقبل صنما؟
فكان صلي الله عليه وسلم شخصية فريدة جعلت سادة قومه يسارعون إلى الاستجابة لدعوته، كأبي بكر وطلحةَ والزبير وعثمان وغيرهم، تاركين وراءهم كل مجد وجاه مستقبلين حياة تمور بالأعباء وبالصعاب، فكان صلي الله عليه وسلم شخصية فريدة جعلت ضعفاء قومه يلوذون بحماه، ويهرعون إلى رايته ودعوته، وهم يبصرونه أعزل من المال ومن السلاح، ينزل به الأذى، ويطارده الشر، دون أن يملك له دفعا، إنها القدوة التي جعلت أتباعه يزيدونَ ولا ينقصون، وهو الذي يهتف فيهم صباح مساء، لا أملك لكم نفعا ولا ضرا ولا أدري ما يُفعل بي ولا بكم، إنها القدوة التي تملأ القلوب يقينا وعزما، وقد أصبحنا اليوم على خطر عظيم مما وقعنا فيه، تحيط بنا الفتن والشرور من كل جانب، ولا اتعاظ ولا خوف من عقوبات الأعمال السيئة، فإنها معاصى وغفلة.
وإن القلب هو محل عرض الفتن، ومكان الاختبار، لذلك فإن التأثير فيه يكون مباشرا، أما إيجابيا أو سلبيا، فعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول”تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا، فأي قلب أشربها، نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها، نكت فيه نكتة بيضاء، حتى تصير على قلبين، على أبيض مثل الصفا، فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مربادا كالكوز مُجخيا، لا يعرف معروفا، ولا ينكر منكرا، إلا ما أشرب من هواه” والمرباد هو المتكدر مع اسوداده، والقلب المجخي هو المنكوس، وذكر القرآن الكريم أنواعا كثيرة من القلوب التي تتفرع من هذين النوعين.