الدكروري يكتب عن الأمر والنهي في الشريعة
بقلم/ محمـــد الدكـــروري
بسم الله دائما وأبدا، بسم الله الرحمن الرحيم، فإسم الجلالة الله هو الاسم العلم على الذات الإلهية، وهو المألوه، أي المعبود، المستحق لإفراده بالعبادة، لما اتصف به من صفات الألوهية، وهي من صفات الكمال، والرحمن الرحيم صفتان لموصوف واحد هو الله سبحانه والله سبحانه وهو ذو الرحمة الواسعة العظيمة التي وسعت كل شيء، وعمت كل حي، وكتبها للمتقين المتبعين لأنبيائه ورسله، فهؤلاء لهم الرحمة المطلقة، ومن عداهم فلهم نصيب منها، ونعم الله كلها أثر من آثار رحمته، فلقد غفر الله عز وجل لبغي ذنوبها بسبب ما فعلته من سقي كلب، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن النار فتحت أبوابها لامرأة حبست هرّة لا هي أطعمتها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم.
“عُذبت امرأة في هرّة لم تطعمها، ولم تسقها، ولم تتركها تأكل من خشاش الأرض” رواه البخاري ومسلم، وقد حرّم الإسلام تعذيب الحيوان، ولعن المخالفين على مخالفتهم، فقد روى مسلم بسنده إلى ابن عباس رضى الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم مرّ على حمار قد وُسم في وجهه، فقال “لعن الله الذي وسمه” وفي رواية له “نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الضرب في الوجه، وعن الوسم في الوجه” وإن الأمر والنهي ليس مقصورا على بعض الأمور التعبدية، كما قد يفهم البعض، أو في مكان دون مكان، وزمان دون زمان، بل الأمر والنهي يكون معنا حيث كنا في المسجد وفي البيت وفي السوق وفي الوظيفة وفي الحضر وفي السفر، وفي كل شأن من شؤون حياتنا، وكما أن للمسجد والبيت أدابا وأحكاما.
فإن للسوق أدابا، وأحكاما، وإن السوق هي موضع البياعات، أو التي يتعامل فيها، وهي تذكر وتؤنث، والجمع أسواق، ومعنى تسوق القوم، أى إذا باعوا واشتروا وأصل اشتقاق السوق من سوق الناس إليها بضائعهم، وهو اسم لكل مكان وقع فيه التبايع بين من يتعاطى البيع والشراء، ويعد السوق قديما قدم الإنسان، وذلك لأن الإنسان لا بد له من أمور يسد بها حاجته وحاجة من يعول، وأماكن وجود ذلك هي الأسواق، سواء كانت صغيرة أو كبيرة، ولقد أولى الإسلام الأسواق العناية الفائقة، والاهتمام البالغ، وذلك لأن الإسلام ذا رسالة خالدة، وأسس عامة شاملة للإنسان والحياة والكون وما يتعلق بهما، وقد تمثل عناية الإسلام بالسوق في حثه على السعي في الأرض، والذهاب إلى الأسواق للتجارة.
وطلب الرزق الحلال، بل لقد قرن الله العاملين في الأرض للتجارة بالمجاهدين في سبيله، وكان النبي عليه الصلاة والسلام يذهب إلى الأسواق كسبا للرزق، وطلبا للقوت الضروري حتى أن المشركين عابوه بذلك، وقد أقيمت في عهده صلى الله عليه وسلم أسواق واسعة، لابناء فيها ولا ظل، وحظيت باهتمامه الواسع، وعنايته الخاصة صلى الله عليه وسلم، فكان يتعهدها بالمراقبة، ووضع لها الضوابط الشرعية، فحرّم بيوع الجاهلية المشتملة على الغرور والربا والمكر والخداع والغبن، إضافة إلى ذلك فقد حرّم بيع المحرمات فيها، كالخمر والخنزير وغير ذلك، وكان يتفقد السوق بين الفينة والأخرى مع بعض أصحابه، ثم اقتدى به أصحابه من بعده في كل شيء، فكانوا يذهبون إلى الأسواق فيبيعون ويشترون.
كما هو معروف عن أبي بكر وعمر وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم ثم من سار على طريقتهم من التابعين، والملوك والخلفاء إلى يومنا هذا، وأما في زمننا حيث فسد الناس، وانتشر فيهم الجهل، وقل فيهم مراقبة الله إلا من رحم ربي فما أكثر السخب والسخط في الأسواق، والمهاترات والمشاجرات، بل ربما وصل ببعضهم الحد إلى سفك دم أخيه المسلم من أجل كلمة قالها، أو صوت رفعه عليه، ألا فليتق الله ذوي الألسنة الطويلة، والأيادي الباطشة، وليدعوا تحرشاتهم بالمسلين، وليصونوا ألسنتهم وليحفظوا أيديهم من هتك أعراض المسلمين وسفك دمائهم.