بِناء القُدرات لإدارة التِقْنيَّات في عالم يتقاسمه الإنسان والتقنية
كتبت الأديبة/ مها الجمل
البشر والرخاء يسيران جنبًا إلى جنب، بدون البشر لن تحدث التنمية وبدون دورهم فإن الرغبة في التجديد والتغيير والوصول إلى عالم جديد لن يتحقق، الإنسان هو الهدف الأساسي لأي تنمية، وهو أيضًا الأداة الأساسية والمسؤولة عن إحداث تلك التنمية، ذلك الإنسان هو نفسه جوهر التنمية بل هو جوهر أي تقدم ورخاء. ولما كان أي تنمية وتقدم مرتبط ارتباطًا وثيقًا بتطور التقنية المستخدمة في زيادة الإنتاجية، باتت تقنيات الذكاء الاصطناعي تحاكي الذكاء البشري بل وتتفوق عليه، وصار وجوبًا على جميع الحکومات أن تدعو إلى تسخيره في مساهمات الأداء والإنتاجية، تلك التكنولوجيا المتطورة أصبحت تجوب العالم كله وصار الذکاء الاصطناعي منتشرا في آلاف الميادين، وأصبح جزءًا أساسيًا في حياة الإنسان، بل أصبحت دقة الأشياء تصل إلى مراحل يصعب على اليد البشرية أن تقوم بها على الرغم من أن البشر هم من ابتكروا تلك التقنيات وكانوا سببًا في ذلك التغيير. وحلّ الذكاء الإصطناعي محل الموارد البشرية، وبات تسريح العمالة من وظائفهم واستبدالهم بالروبوتات أمرًا واضحًا جليًا في كثير من دول العالم، ولايخفى علينا ماحدث في منصة تويتر فجأة عندما أمر “إيلون ماسك” بتسريح العمال وتقليص القوى العاملة في الشركة إلى النصف خلال الفترة الماضية، وأُلغيت وظائف موظفي تويتر على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم. إضافة إلى ذلك، الآن يخشى نحو نصف البريطانيين أن يؤثر الذكاء الاصطناعي على وظائفهم بطريقة ما في السنوات الخمس المقبلة وفقًا لدراسات تم إجراؤها، وفي المقابل هناك كثير من التقارير للعديد من الدول توضح أن هناك الكثير من الوظائف ذات الأجور الأعلى لن تتأثر بثورة الذكاء الاصطناعي، مثل أطباء الأورام وتقويم الأسنان وأطباء الأطفال، بل سترتفع مرتباتهم مع ازدياد وتطوير التكنولوجيا وانتشار الذكاء الاصطناعي. إذن لهذا التطور المذهل والسريع آثارًا وتأثيرات انتقالية کبيرة على الأفراد والمنظمات والمجتمعات والدول، من المؤكد أنها آثارًا إيجابية ولكن في المقابل هناك الكثير من الآثار السلبية التي يعاني منها الكثيرون. فكما أن الذكاء الاصطناعي استطاع استقطاب وتعيين آلاف الموظفين دون تحيّز بشري، إلا أنه استغنى عن الكثير من وظائفهم. کل ذلک يمثِّل تحديَّات يجب الوصول إلى حلول جذرية لها وسريعة قابلة للتنفيذ وقابلة للتطوير في مجالات رئيسية عديدة، وعلى الدول والحكومات أن تضمن انتقالًا سلسًا سليمًا للقوى العاملة حتى لا تتأثر تأثرًا يؤثر على التنمية المستدامة لمجتمعاتها بالشكل السلبي، فكيف لنا أن نطبق التكنولوجيا ونسعى إلى تطوير التقنيات المستخدمة لزيادة وتطوير إنتاجيتنا ونهمل في نفس الوقت العنصر البشري الذي هو جوهر التنمية نفسها وأساس أي تغيير وتطوير وتقدم..!! فالاستثمار في رأس المال البشري وتطوير أنظمة التعليم والتعلم للقوى العاملة المتغيرة هو أساس أي تنمية، وصار من المتعين ونحن نعيش في ظل متغيرات تكنولوجية وتقنية مدهشة أن نعيد النظر في أساليب التربية التقليدية للطفل والتي تُمارس في مؤسساتنا التعليمية، نحاول من خلالها أن نناقش عدة قضايا وأطروحات مثل التفكير الإبداعي، لتنمية القدرات العقلية والتي تساهم في خلق جيل من المبدعين الذين تحتاج إليهم أوطاننا حتى يستطيعوا مسايرة تلك التكنولوجيا بعلم ومعرفة. كذلك استخدام الذكاء الاصطناعي نفسه في إعادة تأهيل وتدريب العمال النازحين من وظائفهم غير الملائمة من خلال تطوير برامج تدريب وتأهيل جديدة لمهارات تتوافق مع تکنولوجيا الذکاء الاصطناعي يقوم بها مراكز التدريب المتخصصة. الذكاء الاصطناعي مع أنه ألغى وظائف عدة، لكنه سيخلق ملايين الوظائف الجديدة الأخرى بحلول عام٢٠٢٥، فإذا كان العالم لابد أن يتجه نحو الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي الشامل والاستغناء عن العنصر البشري في العمل لوجود التقنيات الجديدة، فعلى الأقل كحق أساسي من حقوق الإنسان، الاهتمام ببناء عقله وقدراته لكي يستطيع إدارة تلك التقنيات في عالم أعمال يتقاسمه الإنسان والتقنية.