الدكروري يكتب عن موجبات قضاء الحاجة أو عدمها
بقلم / محمـــد الدكـــروري
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين الملك الحق المبين، ونصلي ونسلم ونبارك علي إمام الأنبياء والمتقين سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم، إن الشفاعة هي التوسط للغير بجلب منفعة مشروعة له، أو دفع مضرة عنه، وقد قال الطيبي رحمه الله، قال النبي صلى الله عليه وسلم ” إذا عرض المحتاج حاجته عليّ، فاشفعوا له إليّ فإنكم إن شفعتم حصل لكم الأجر سواء قبلت
شفاعتكم أم لا، ويجري الله على لسان نبيه ما شاء من موجبات قضاء الحاجة أو عدمها، فإن قضيتها أو لم أقضها، فهو بتقدير الله تعالى وقضائه” وكما قال الإمام النووي رحمه الله هذا الحديث فيه استحباب الشفاعة لأصحاب الحوائج المباحة سواء كانت الشفاعة إلى سلطان ووالي ونحوهما، أم إلى واحد من الناس.
وسواء كانت الشفاعة إلى سلطان في كف ظلم أو إسقاط تعزير، أو في تخليص عطاء لمحتاج أو نحو ذلك، وأما الشفاعة في الحدود فحرام، وكذا الشفاعة في تتميم باطل أو إبطال حق ونحو ذلك، فهي حرام، وكما روى الشيخان عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال ” كل معروف صدقة” وفي قوله صلى الله عليه وسلم كل معروف، أي ما عُرف من جملة الخيرات من عطية مال أو خلق حسن، أو ما عُرف فيه رضا الله من الأقوال والأفعال، وفي قوله صلى الله عليه وسلم صدقة، أي ثوابه كثواب الصدقة، روى الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إن لله عبادا اختصهم بالنعم لمنافع العباد، يُقرهم فيها ما بذلوها، فإذا منعوها نزعها منهم، فحولها إلى غيرهم”
وفي قوله صلى الله عليه وسلم لمنافع العباد، أي لأجل منافع الناس، وقوله صلى الله عليه وسلم “يقرهم فيها ما بذلوها” أي مدة دوام إعطائهم منها للمستحق، وقوله صلى الله عليه وسلم ” نزعها منهم” أي نزع منهم النعمة لمنعهم الإعطاء للمستحق، وقوله صلى الله عليه وسلم فحوّلها إلى غيرهم” أي حوّل الله تعالى النعم إلى غيرهم ليقوموا بها كما يجب، ويقول الصحابي الجليل أبو بكر الصديق رضى الله عنه “لا خير في قول لا يريد به صاحبه وجه الله” ويقول خالد بن الوليد رضي الله عنه “رحم الله عمر، إن أقواله وأفعاله كلها مراد بها وجه الله” إنه الصدق الذي تضمحل معه حظوظ النفوس ومشتهياتها، ففي قصة سقيفة بني سعد، بعد أن اختار أبو بكر الصديق عمر بن الخطاب وأبا عبيدة ليبايعا، قال عمر “والله ما كرهت من قوله إلا ذلك”
ثم قال “والله لأن أقدّم فأضرب فيُضرب عنقي لا يقرّبني ذلك من إثم، أحب إلي من أن أتأمر على قومٍ فيهم أبو بكر” ثم قال “ابسط يدك”، فبايعه ثم بايعه المهاجرون والأنصار، إنه الصدق الذي حدا بالإمام علي بن أبى طالب رضي الله عنه، حينما قال أبو بكر في أثناء البيعة وطلب الاعتذار، قال له علي “والله لا نقيلك ولا نستقيلك، قدّمك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن ذا يؤخرك؟” إنه الصدق الذي حدا بالأنصار أن يقولوا “نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر، قدّمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، في ديننا” أي في الصلاة، وما أروع ما ضربه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، من نماذج رائعة في الصدق مع البارئ سبحانه وتعالى بفضل التربية النبوية، والمدرسة المحمدية، فقد ذكر ابن حجر رحمه الله.
“أن سعد بن خيثمة استهم هو وأبوه يوم بدر فخرج سهم سعد، فقال له أبوه يابني آثرني اليوم، فقال سعد يا أبتى لو كان غير الجنة فعلت، فخرج سعد إلى بدر وبقي أبوه، فقتل بها سعد وقتل أبوه بعد ذلك خيثمة يوم أحد” وكل ذلك بسبب الصدق مع الله عز وجل فنالوا الشهادة التي هي أعظم مطلوب، وقيل أن عمير بن أبي وقاص رُدّ يوم بدر لصغره، فبكى فأجازه النبي صلى الله عليه وسلم، قال سعد أخوه “رأيت أخي عميرا قبل أن يعرضنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر يتوارى حتى لا يراه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت مالك يا أخي؟ فقال إني أخاف أن يراني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيستصغرني ويردني، وأنا أحب الخروج لعل الله أن يرزقني الشهادة، فصدق وصدقه الله وأعلى درجاته بالشهادة في سبيله”
زر الذهاب إلى الأعلى