الدكروري يكتب عن رحلات الإمام ابن الذهبي العلمية
بقلم / محمـــد الدكـــروري
ذكرت المصادر التاريخية الإسلامية الكثير والكثير عن الإمام شمس الدين الذهبي، وقيل أنه بدأ رحلته الطويلة في طلبه، وقد عرف بابن الذهبي، نسبة إلى صنعة أبيه، وكان هو يقيد اسمه ابن الذهبي، فجاء في أول معجم شيوخه، أما بعد، فهذا معجم العبد المسكين
محمد بن أحمد إبن الذهبي، ويبدو أنه اتخذ صنعة أبيه مهنة له في أول أمره، لذلك عرف عند بعض معاصريه بالذهبي، مثل الصلاح الصفدي، وتاج الدين السبكي، والحسيني، وعماد الدين ابن كثير، وغيرهم فأصل نسبته الذهبي إلى الذهب وتخليصه وإخراج الغش منه، وقد صار الإمام الذهبي بحق ذهبي عصره، كما شهد بذلك معاصروه ومن جاء بعدهم، وطلب الذهبي العلم صغيرا، وتوجهت عنايته إلى ناحيتين رئيستين هما القراءات.
والحديث الشريف، فشرع في طلب الحديث سنة ستمائة وتسعون للهجرة، وعمره ثماني عشر سنة، ووقف حياته على العلم حتى توفى رحمه الله، وعني بالقراءات، والتاريخ والحديث واهتم به اهتماما خاصا، وأخذ عن شيوخ بلده، وعن غيرهم، ورحل الإمام الذهبي في طلب العلم داخل البلاد الشامية إلى حلب، وبيت المقدس والرملة ونابلس، وبعلبك، وطرابلس، وحمص وحماه ونابلس والرملة، كما كان للذهبي رحلاته العلمية داخل البلاد المصرية، وكانت من أبرز رحلاته المبكرة، ويبدو أنه وصل إلى مصر في السادس عشر من رجب سنة ستمائة وخمس وتسعون للهجرة فرحل إلى القاهرة، والإسكندرية، ودمياط، وسمع بمصر من جماعة كبيرة، من أشهرهم ابن دقيق العيد والعلامة شرف الدين الدمياطي.
وقرأ على صدر الدين سحنون ختمة لورش وحفص، وكان الذهبي يجهد نفسه في قراءة أكبر كمية ممكنة على شيوخ تلك البلاد، وفي سنة ستمائة وثماني وتسعون للهجرة، رحل الذهبي للحج، وكان يرافقه في حجه جماعة من أصحابه وشيوخه، منهم شيخ دار الحديث بالمدرسة المستنصرية ابن الخراط الحنبلي وقد سمع بمكة، وعرفة، ومنى والمدينة من مجموعة من الشيوخ، هذا وقد سمع الذهبي ما يتعذر عده من الكتب وأخذ عنه الصغار والكبار، حتى صدق عليه قول تاج الدين السبكي، وسمع منه الجمع الكثير، وما زال يخدم هذه الفن إلى أن رسخت فيه قدمه، وتعب الليل والنهار، وما تعب لسانه وقلمه، وضربت باسمه الأمثال، وسار اسمه مسير الشمس إلا أنه لا يتقلص إذا نزل المطر.
ولا يدبر إذا أقبلت الليال، وأقام بدمشق يُرحل إليه من سائر البلاد، وتناديه السؤالات من كل ناد وهو بين أكنافها كنف لأهليها وشرف تفتخر وتزهى به الدنيا وما فيها، طورا تراها ضاحكة عن تبسم أزهارها، وقهقهة غدرانها، وتارة تلبس ثوب الوقار والفخار بما اشتملت عليه من إمامها المعدود في سكانها، وكانت دراسته وسماعاته متنوعة لم تقتصر على القراءات والحديث، فقد عني بدراسة النحو، فسمع الحاجبية في النحو على شيخه بن أبي العلاء النصيبي البعلبكي، ودرس على شيخ العربية، وإمام أهل الأدب في مصر آنذاك ابن النحاس إضافة إلى سماعه لعدد كبير من مجاميع الشعر واللغة والآداب.
زر الذهاب إلى الأعلى