الدكروري يكتب عن أصحاب المذهب والفرق مع العلماء
بقلم / محمـــد الدكـــروري
ذكرت المصادر التاريخية الإسلامية أنه في عصر الخلافة العباسية ظل أهل الفرق وأصحاب المذاهب يحرضون العامة على العلماء، عند محاورتهم في المسائل الخلافية، كما كان بعض الحكام مستبدا ومنحازا إلى حد التعصب الأعمى فالاختلاف واضح بين هذا القرن والقرون التي قبله، ولو كان الأمر نسبيا، إلا أن تبادل الآراء كان مباحا من قبل
والاختلاف متفشيا، والتأمل العقلي ناظرا في مسائل العقيدة والشريعة معا، فأنتج ذلك كله ثقافة متنوعة وظهرت مؤلفات جليلة، ولما بدأ التعصب وقبض على الحرية وسجن العقل فاضمحل الفكر وتحولت سلطة الدولة إلى أداة قهر وقمع، ما عدا بعض الحكام في بعض الأحيان وهكذا يكون التشتت والتمزق قد عم جميع ميادين الحياة الاجتماعية في هذا القرن.
والرازي عاش في هذا العصر في ظل إيجابياته وسلبياته عالما مقارعا للجهل وأنواع الضلالات المختلفة، وعلى الرغم من عدم رضى العامة عنه وكثرة الحساد والمتعصبين عليه، فقد ظل متمسكا بالمطالب العالية وبذل جهدا كبيرا في سبيل تعريف الناس بها، ونلاحظ مما سبق أن عصر الرازي يتميز باضمحلال الخلافة العباسية، وتفكك السلطة المركزية إلى دول كثيرة، حيث تتناحر هذه الدول على استقطاب الخلفاء، ويدخلون في حروب فيما بينهم وبين الخليفة، مما أثر سلبا على جميع ميادين الحياة بالإضافة إلى ذلك فهذا العصر لم ينج من الكوارث الطبيعية الكثيرة كزلازل والجفاف التي اهتم المؤرخون بذكرها وإحصاء الخسائر المترتبة عنها وآثارها على المسيرة الحضارية.
كما يتميز أيضا بظهور العلماء الأعلام في كل علم وفن، وبعد أن لاقى الفخر في حياته الحافلة ما لاقى من أذى الخصوم من معتزلة، وكرامية وشيعة وحشوية وسواهم، حط عصا الترحال في هراة وسكن الدار التي كان السلطان خوارزم شاه قد أهداه إياها وهناك لم يتركه خصوم يخلد إلى الراحة بعد ذلك الكدح الطويل وإنما استمروا يعملون للنيل منه ومن سمعته، ومما يروى في هذا الباب إن الحشوية كانوا يرفعون له وهو في مجلس وعظه رقاعا تتضمن شتمه ولعنه والطعن في عرضه حتى بلغ من فجورهم في الخصومة أن رفعوا إليه يوما رقعة كتبوا فيها أن ابنه يفسق ويزني وإن امرأته كذلك فما كان منه إلا أن قال إن هذه القصة تتضمن أن ابني يفسق ويزني وذلك مظنة الشباب فإنه شعبة من الجنون.
ونرجو من الله تعالى إصلاحه والتوبة وأما امرأتي فهذا شأن النساء إلا من عصمه الله وأنا شيخ ما في للنساء مستمتع هذا كله يمكن وقوعه وأما أنا فوالله لا قلت أن الباري سبحانه وتعالى جسم ولا شبهته بخلقه، ولا حيزته ولله الحمد أن ابني لا يقول إن الله جسم ولا يشبه به خلقه ولا زوجتي تعتقد في ذلك ولا غلامي فأي الفريقين أوضح سبيلا ؟ واشتد على الكرامية بخاصة ما كانوا يرونه من توقير السلاطين له وحضور بعضهم مجالس وعظه ومكانته لديهم خصوصا بعد مجادلته مع شيخهم ابن القدوة، فلم يزل بينهم وبين الفخر من يومها السيف الأحمر فيعمدون للتخلص منه بكل وسيلة حتى قيل أنهم سموه أو دسوا له من سمه، وسواء كانوا أبرياء من هذه التهمة أم لا فإنهم فرحوا لدى وفاته فرحا شديدا.
وكان ذلك في الأول من شهر رمضان عام ستمائة وست من الهجرة، الموافق عام ألف ومائتان وتسع من الميلاد، في هراة ووذهب أكثر المؤرخين إلى أنه دفن في الجبل المجاور لقرية مزداخان القريبة من هراة وقيل بل دفن في بيته، رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته.
زر الذهاب إلى الأعلى