الشيخ/ إبراهيم كامل أبو المجد يلقي درسا بعنوان الغاية الأسمي للعبادات
إعداد//محمد واكد
حسب خطة الإدارة لنشر الوعى خلال شهر رمضان المبارك وبناء على توجيهات فضيلة الشيخ منصور لبيب مدير إدارة أوقاف إيتاي البارود ثان ألقي فضيله الشيخ إبراهيم كامل أبو المجد مفتش اول بالإدارة

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
وبعد أحبتي في الله:
إن الناظر في العبادات والفرائض التي افترضها الله عز وجل على عباده يجد أنها كلها وسائل لغايات أسمى وأهم سواء غايات دنيوية أو أخروية، فالمتأمل لكل العبادات يجد أنَّ الغاية الأخروية التي نُحصِّلُها منها هي رضوان الله والجنة، وأما الغايات الدنيوية فهي ما تظهر على سلوك الفرد في معاملاته مع الله ومع نفسه ومع الناس. طططفلو بدأنا بالصلاة مثلاً التي هي عماد الدين فنجد أن لها مقاصد وغايات منها على سبيل المثال لا الحصر
١ـ أنَّ الصلاة مانعةٌ من ارتكاب المعاصي.
فقد قال الله عز وجل في محكم التنزيل وهو أصدق القائلين:
” اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ” العنكبوت ٤٥
فالمتأمل لهذه الآية الكريمة يجد أن للصلاة مقصداً وغايةً عظيمةً ألا وهي أنها تنهى المسلم عن كل فاحشٍ من القول والفعل، وكل ما ينكره الشرع والعقل من قولٍ أو عملٍ ، ولذلك جاء في الأثر عن ابن مسعود رضي الله عنه موقوفاً عليه أنه قال:
” من لم تنههُ صلاتُه عن الفحشاءِ والمنكرِ فلا صلاة له “.
٢ـ أنَّ طمأنينة القلب في الصلاة لأن الصلاة إنما تقام لذكر الله عز وجل، وطمأنينة القلب في ذكر الله عز وجل.
قال الله تعالي:
” إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكرِي” طه ١٤.
قال بعض أهل العلم أنَّ المقصود في الآية وأقم الصلاة لتذكرني.
أما عن طمأنينة القلب التي تنبعث من ذكر الله فقد قال تعالى:
” الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ “
الرعد ٢٨.
فهذا دليل واضح على أن طمأنينة القلب والراحة النفسية في الصلاة، واقرأ إن شئت ما أخرجه الإمام أحمد في مسنده والنسائي والبيهقي في سننيهما واللفظ للبيهقي من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- وفيه أن الحبيب النبي ﷺ قال
” حُبِّبَ إليَّ من دنياكم النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة “.
ثانياً:-
الزكاة بأنواعها:
فالمتأمل للزكاة على وجه العموم يجد أنها تطهير للنفس وتذكية لها قال تعالى:
“خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ “
التوبه ١٠٣.
والمتأمل لزكاة الفطر التي نحن في وقتها في هذه الأيام المباركة يجد أن من مقاصدها وغاياتها تطهير الصائم من كل نقص يعتري صيامه فيفسده عليه ويضيع أجره بعد العناء والمشقة التي لاقاها بعد شهر كامل، علاوة على أنها طعمة للمساكين ليستغنوا بها عن السؤال يوم العيد ودليل ذلك قول النبي ﷺ في الحديث الذي أخرجه أبو داود وابن ماجه في سننيهما من حديث ابن عباس -رضي الله عنه- وفيه ” فرض النبي صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرةً للصائم من اللغو والرفث، وطعمةً للمساكين، من أداها قبل الصلاة فهي زكاةٌ مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقةٌ من الصدقات “.
وعلى ذلك فقس باقي أنواع الزكاة من زروعٍ وثمارٍ وركازٍ وغيرها.
ثالثاً:-
صوم رمضان:
فالمتأمل للصوم وما به من مشقة وعناء على النفس البشرية يجد له غاياتٍ ومقاصدَ ساميةٍ منها على سبيل المثال لا الحصر:
١ـ تحقيق التقوى التي تعد من أصعب الغايات على الإطلاق.
قال جل وعلا:
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ” البقره ١٨٣. وهذا أجمع نصٍّ في بيان مقاصد الصيام كما قال بعض أهل العلم.
وقال الفخر الرازي في قوله “لعلكم تتقون” أنّ الله تعالى أراد أن يبين بهذا القول أنّ الصوم يورِّث التقوى لما فيه من انكسار الشهوة وانقماع الهوى.
٢ـ الصيام وقاية:
أخرج البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “الصيام جُنَّةٌ، -أي وقايةٌ- فإذا كان أحدكم صائمًا فلا يرفث ولا يجهل، فإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل: إني صائم مرتين، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي، الصيام لي وأنا أجزي به والحسنة بعشر أمثالها”. ومن هذا الحديث وغيره يتضح لنا أنّ الصائم حال تلبسه بهذه العبادة يدرب نفسه على محاسن الأخلاق، والبعد عن قول الزور والفحش واللغو والرفث، وهذا مقصدٌ واضحٌ من مقاصدالصيام ومما يؤكد ذلك أيضا ما أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- وفيه أن النبي ﷺ قال” مَنْ لم يَدَع قولَ الزُّور والعمل به،فليس لله حاجة في أن يَدَعَ طعامَه وشرابَه”.
٣ـ أنّ الصيامَ يُضَيِّق مجاري الشيطان في ابن آدم فَيَقِلُّ نزوعه إلى فعل المعاصي والذنوب، بل تميل نفسُه إلى فعل الطاعات، والتقرب إلى رب الأرض والسماوات، يقول الإمام السعدي رحمه الله: “الصيام يضيِّق مجاري الشيطان، فإنه يجري من ابن آدم مجرى الدم، فبالصيام يَضْعُفُ نفوذه، وتقل منه المعاصي وفي الغالب تكثُر طاعته.
لذلك كان ينصح النبي ﷺ الشباب الذين لا يملكون مؤنة الزواج، ويعجزون عنه بالصيام إن عجزوا عن الزواج كماجاء في الحديث المتفق عليه من حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- “يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ”
فالصوم يكبح النفس ويقلل من وطئة الشهوة عند الشباب.
رابعاً:- وأخيرا:
حج بيت الله الحرام:
المتأمل في فريضة الحج يجد أن أسمى وأشرف غاية لها هي أن يرجع الحاجُّ من حَجِّهِ كيوم ولدتهُ أمُّهُ، ولو لم يكن لتلك الفريضة غير هذا الشرف والفضل لكفى، ودليل ذلك ما جاء في الحديث المتفق عليه من حديث أبي هريرة
-رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
“منْ حجَّ فَلَم يرْفُثْ، وَلَم يفْسُقْ، رجَع كَيَومِ ولَدتْهُ أُمُّهُ”.
وعنه أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
“العُمْرَةُ إِلَى العُمْرةِ كَفَّارةٌ لِمَا بيْنهُما، والحجُّ المَبرُورُ لَيس لهُ جزَاءٌ إلاَّ الجَنَّةَ” متفق عليه.
فما أجمل هذه العبادة التي غايتها التطهير من الذنوب والمعاصي في الدنيا، والجنة في الآخرة؟
وعن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنهما- قالت : قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّه، نَرى الجِهَادَ أَفضَلَ العملِ، أفَلا نُجاهِدُ؟ فَقَالَ: “لكِنْ أَفضَلُ الجِهَادِ: حَجٌّ مبرُورٌ” رواهُ البخاريُّ.
يا له من فضل عظيم من الله عز وجل بأن يعطي أجر المجاهد لصاحب الحج المبرور الذي لا رفث فيه ولا فسوق ؛
وعنها-رضي الله عنها- أن رسول الله ﷺ قال:
“مَا مِنْ يَوْمٍ أَكثَرَ مِنْ أنْ يعْتِقَ اللَّه فِيهِ عبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ”.
أيها الأحبة إن المتأمل في ما ذُكِر يجد أن العبادات كلها إنما هي وسائل لغايات أسمى، سواءٌ أكانت هذه الغايات انعكاساتٌ على حياة المسلم اليومية وأخلاقه ومعاملاته مع نفسه ومع الله ومع الناس أو غايات أخروية.
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.
زر الذهاب إلى الأعلى