الدكروري يكتب عن رمضان والقادسية
بقلم / محمـــد الدكــروري
ذكرت كتب الفقه الإسلامي الكثير والكثير عن شهر رمضان المبارك وأنه هو شهر الإنتصارات والفتوحات، وفي موقعة القادسية تبلور أيضا مدى الإعجاز الفريد للجانب العقدى الذى فجَّر ينابيعه الإيثار الفياض والإيمان الصادق فى
نفسيات المسلمين وذلك عبر الحوار الذى دار بين واحد من أبناء الحضارة الإسلامية البازغة، وبين ممثل لتلك الحضارة الفارسية الغاربة، وهذان المتحاوران هما الصحابي ربعى بن عامر رضي الله عنه ورستم قائد الفرس، وذلك عندما دخل ربعى بن عامر على رستم، فقال رستم له ما الذى جاء بكم إلى هنا؟ قال جئنا لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، وفى رمضان من العام الثامن من الهجرة.
كانت محطة فارقة ونقطة فاصلة فى حياة الأمة، عندما فتحت جيوش الصحابة بقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم مكة، وأعلنوا سقوط عاصمة الشرك والاستكبار الجاهلى، التى طالما استغل المشركون منزلتها وفضلها في التحريض ضد الإسلام والمسلمين، وأعلنوا تحرير بلد الله الحرام من أدران الشرك والأوثان، لتبدأ مرحلة جديدة في حياة الأمة اتحدت فيها بلاد الحرمين، الأصل والمهجر، وأعلن عن قيام الدولة الإسلامية على حدود جديدة، وعندما قاد المعتصم العباسي جيشا جرارا أوله من منابت الزيتون وآخره على أبواب عمورية، وذلك في رمضان سنة مائتان وثلاثه وعشرون من الهجرة بعد أن تجبر طاغية الروم توفيل بن ميخائيل، واستغل انشغال المسلمون بقتال بابك الخرمى في فارس.
وهجم بمائة ألف صليبي على حدود الدولة الإسلامية، وأوقع بأهل زبطرة في الأناضول مذبحة مروعة، فقتل الكبير والصغير، فجدع الأنوف وسمل العيون، واستاق الحرائر، حتى إن امرأة هاشمية صاحت بعد أن لطمها كلب رومي فقالت “وامعتصماه” وطارت الأخبار للخليفة المعتصم وهو في إيوان قصره، فلما طرقت الصرخة الحزينة مسامع الأسد الهصور “المعتصم العباسى” أسرع مهرولا فى قصره وهو يقول مثل الإعصار “النفير النفير” وقد خرج بكل ما لديه من جيوش، وأقسم ليهدمن أعز مدينة عند الرومان، وقد كتب وصيته ولبس كفنه وتحنط، وقسّم ماله ثلثا لأهله، وثلثا للمجاهدين، وثلثا لمنافع المسلمين، ولم يهدأ له بال ولم يستقر له حال حتى أناخ بساحة عمورية بأكثر من مائة ألف مجاهد من ثلاث جهات.
ودخل عمورية وهي أشرف مدن النصارى، وهي العاصمة الدينية لهم في السادس من رمضان فهدمها بالكلية، وتركها قاعا صفصفا، وأدّب أعداء الأمة تأديبا هائلا، ارتدعوا به فترة طويلة، واستعادت الأمة كرامتها، فإن هذه انتصارات رفعت من قدر الأمة الإسلامية على بقية الشعوب ومكن الله لها في الأرض وما ذلك إلا لتوحدهم وجلوسهم تحت مظلة واحدة وخلافة واحدة، فامتدت تلك الانتصارات منذ بزوغ نور النبوة بإنزال الله تعالى على رسوله القرآن الكريم في غار حراء فى اليوم السابع عشر من رمضان، عندما بلغ النبى صلى الله عليه وسلم أربعين عاما، مرورا بعهد الدعوة السرية والهجرة، ثم الخلافة الراشدة إلى نهاية خلافة الدولة العثمانية التى انهارت بسبب اتحاد القوى الأوروبية ضدها.
زر الذهاب إلى الأعلى