الدكروري يكتب عن رمضان مضمار لخلق الله
بقلم / محمـــد الدكـــروري
ذكرت كتب الفقه الإسلامي الكثير عن الصيام، فقال الحسن البصرى رحمه الله “إن الله جعل رمضان مضمارا لخلقه، يستبقون فيه إلى مرضاته، فسبق قوم ففازوا، وتخلف آخرون فخابوا، فالعجب من اللاعب الضاحك، في

اليوم الذى يفوز فيه المحسنون، ويخسر فيه المبطلون” ولا تنسوا أن تغتسلوا وتتطيبوا قبل الخروج لصلاة العيد، والجهر بالتكبير من غروب شمس ليلة العيد حتى يصعد الإمام المنبر، ويستحب الخروج مشيا، وأن يخرج من طريق، ويرجع من طريق آخر تكثيرا للأجر، ويقول سعيد بن جبير “سنة العيد ثلاث المشي، والاغتسال، والأكل قبل الخروج” ويحسن أن يكون الأكل تمرات وترا، وذلك لما رواه البخارى عن أنس رضى الله عنه قال “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات، ويأكلهن وترا”
فإذا وصلت المصلى، فاجلس دون صلاة ركعتين لأنه ليس بمسجد، وأكثروا من الدعاء واجتناب المعاصى، فقال أحد السلف “كل يوم لا يعصى الله فيه فهو عيد” فيا شهر رمضان إن الأعين تذرف، والقلوب ترجف، والأفئدة تخفق، والضمائر تحترق، والأحشاء تتبدد، والأنفس تتحسر، فراق مُر، ورحيل شاق، وغياب مُضن الذى عرف قدرك، واغتنم حلولك، وشرب من ينابيعك، يبكي للذة انقطعت، وشمعة انطفأت، ومتعة تلاشت، ومسرات كان يتمنى أن تطول، والذي تشاغل عن لقائك، وقصر فى وصالك، يتألم لغفلته عنك، وتقصيره معك، وخسارته فيك ولكننا نسأل المولى الأجل أن يعيدك علينا أعواما عديدة، وأزمنة مديدة، وأن يعفو عن التقصير، ويتجاوز عن الزلل.
فيا أيها الحبيب الراحل لقد عشنا فيك دقائق جميلة، وساعات بديعة، ومشاعر عجيبة لقد كنا نشعر أننا انتقلنا من الكوكب الأرضى إلى عالم علوى ندى، كنا نشعر بالرحمة تهبط علينا، والسكينة تحفنا، والعناية تحوطنا، والولاية تحرسنا، وكأنها الملائكة تصافحنا في الطرقات، القلوب غير القلوب، والأنفس غير الأنفس، والأخلاق غير الأخلاق، وإن هذا كله مع شدة تقصيرنا معك، وتضييعنا لحقوقك، ومخالفتنا لقوانينك فكيف لو أخلصنا في الحب، وصدقنا في الود، والتزمنا بالعهد؟ واحسرتاه على أوقات ضاعت، وليال مرت، لم تكن في رحاب الحبيب، فماذا جناه النائمون من نومهم؟ والمفرطون من تفريطهم؟ واللاهون من لهوهم؟ واللاعبون من لعبهم؟ فئام هائمة، وأنوف راغمة، وجهود خاسرة.
تلك التي لم تتذوق حلاوة الصيام، وروعة القيام، ولذة القرآن، فيا شهر رمضان لو نضمن لقاءنا بك مرة أخرى لهوّنا على أنفسنا، وطيبنا خواطرنا، وأبردنا حرارة أشواقنا، وعللنا الأنفس بحلاوة اللقاء بعد مرارة الفراق، مَن لم يذق مرارة الفراق لم يدر ما حلاوة التلاقى، لكن الخوف أن يكون وداعنا لك وداعا لا لقاء بعده، فكم رأينا من مُحب لك، متمن للقائك، طامع في وصالك، حال بينه وبينك الموت، ومنعه من لقائك الردى، فإن الموت لا يرحم عشاقك، ولا يراعي خلانك، يخطفهم قبل أن يروك، بل قد ينتشلهم من أحضانك، ويفتك بهم على مائدتك، فيا أيها الصائمون أحسن الله عزاءكم في شهركم، وعظم الله أجركم، وجبر مصيبتكم، وعوضكم خيرا مما مضى.
زر الذهاب إلى الأعلى