الدكروري يكتب عن عالم الأسرار وعلام الغيوب
بقلم / محمـــد الدكـــروري
سبحان الذي لا يخفي عليه شيء في الأرض ولا في السماء، فمن الذي يعلم سرك إلا الله عز وجل، فسبحانه وتعالي هو رب الظلام ورب الضياء، فالصلاة تصليها أمام الناس، والزكاة تزكيها بها أمام الناس، والحج يُحج أمام
الناس، أما الصيام قد تختفي في الظلام، وتأكل وتشرب، ويظن الناس أنك صائم، ولكن الله يدري أنك لست بصائم، لأن الصيام هو سر بينك وبين الله، فقيل أن رجل من بني إسرائيل عبد الله تعالي أربعين سنة، كان صالحا تقيا ثم انتكس، فعصى الله جل وعلا أربعين سنة أخرى، فانظر إلي أربعين سنة يطيع الله، ثم أربعين سنة يعصي الله ويجاهر بالمعصية، ثم أراد أن يتوب، فقال يارب أطعتك أربعين عاما، وعصيتك أربعين عاما، فهل لي من توبة إن أنا تبت وأنبت إليك يا رب؟
فإذا به يسمع مناد يناديه عبدي أطعتنا فقربناك، وعصيتنا فأمهلناك، وإن رجعت إلينا قبلناك، فقد قال تعالى ” إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما” وإن لم يُغفر لك في رمضان فمتى؟ وإن لم يرحمك الله في رمضان فمتى؟ وإن لم يعتقك الله في رمضان فمتى؟ فإن الشياطين صفدت، والرحمات تنزل، والجنة فتحت أبوابها، وزينت فإن لم تقبل في رمضان فمتى؟ فهل أنت مقبل على الله؟ يبسط يده كل ليلة ليتوب مسيء النهار، وكل نهار ليتوب مسيء الليل، فقال الله تعالى ” نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم” أخبرهم أني أنا الغفور الرحيم، بل قال في الآية الأخرى إنه غفار، أي كثير المغفرة، فقال تعالي ” وإني لغفار لمن تاب” فهل أنت تنوي أن تتوب في هذا الشهر الكريم.
وهل عزمت أن تخرج من شهر رمضان توبة إلى الله جل وعلا؟ ورصيدك الذي لا زلت تحارب الله به سنوات، ودعيت إلى الله فازددت منه، فيقول تعالي ” فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله” فهل أنت عازم على التوبة في هذا الشهر؟ فقال تعالي ” قل يا عبادي الذين أسرفوا علي أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله” وإن شهر رمضان هو شهر محبة ووئام، فإن كان بينك وبين إخوانك من المسلمين لك شحناء وبغضاء وغل وحسد فلا يأتي هذا الشهر، إلا وقد رفعته عن قلبك، فإن الله لا يغفر لعبدين متشحانين، ترفع الأعمال إلى الله كل اثنين وخميس فيغفر الله لكل عبد لا يشرك بالله شيئا إلا رجلين بينهما شحناء، إن كان بينك وبين أخيك نزاع وخصام وخلاف وبغضاء وشحناء، فالله الله في هذا الشهر أن تصلح ما بينك وبينه.
فيقول الله عز وجل كما جاء في سورة الحشر “والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا” فكيف يقوم الليل من قام وفي قلبه لأخيه شحناء؟ وكيف يتلذذ من يقرأ القرآن وفي قلبه على أخيه شحناء وبغضاء؟ وكيف يهنأ بفطره ويتلذذ بصومه من بات ومن أصبح وأمسى وفي قلبه غل على إخوانه المسلمين؟ فيقول الله تعالي في سورة الحجرات ” إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون” وإن الفرح بقدوم شهر رمضان هو من علامات الإيمان، وكما أن تحرى هذا الهلال أيضا مما كان يحرص عليه السلف رحمهم الله.
زر الذهاب إلى الأعلى