الدكروري يكتب عن الضراء والإبتلاء يوم أحد
بقلم / محمـــد الدكـــروري
لقد ذكرت المصادر الإسلامية وكتب السيرة النبوية أنه كانت غزوة أحد غزوة عظيمة في أحداثها ومجرياتها، عجيبة في آياتها ومعجزاتها، شديدة في ضرائها وابتلاءاتها، غزيرة في عبرها ودروسها، وقعت في مثل هذه الأيام في شوال من السنة الثالثة من
الهجرة، بعد عام واحد من غزوة بدر التي غشى المشركين فيها ما غشيهم من هزيمة جيشهم، وقتل سادتهم، وذهاب هيبتهم فأجمعوا أمرهم، وجمعوا حلفاءهم، وأعدوا عدتهم، وعزموا على غزو المسلمين في المدينة، والثأر لما أصابهم في غزوة بدر الكبرى فجرت أحداث عظام في هذه الغزوة المباركة، وظهر صدق الإيمان والتضحية والفداء، وابتلي المسلمون ابتلاء عظيما حتى رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وصل إليه المشركون، ونالوا منه.
وكانت الصاعقة الكبرى ما أشيع من قتله عليه الصلاة والسلام ولكن الله تعالى حفظ نبِيّه صلى الله عليه وسلم وثبت قلوب المؤمنين، وتلك من أعظم النعم، وأكبر الآيات والمعجزات التي زخرت بها هذه الغزوة، ولقد أكرم الله تعالى الطائفة المؤمنة في غزوة أحد بآيات عظيمة، وخص نبيه صلى الله عليه وسلم بمعجزات باهرة، كانت معينا للمؤمنين على ثباتهم رغم هزيمتهم، ومقوية لهم في محنتهم رغم قلتهم وكثرة عدوهم ولما اشتد الكرب على المؤمنين، وقوى كلب الكافرين، وتمكنوا من رقَاب المؤمنين، وعظم خوف الصحابة رضي الله عنهم من نتائج هذه الغزوة، ودبّت الفوضى في أوساطهم، ونالهم من التعب ما نالهم، وعلاهم من الغم ما علاهم، وغشيهم من الكرب ما غشيهم، ألقى الله تعالى عليهم النعاس.
وهو النوم الخفيف لينسيهم غمهم، ويزيل تعبهم، ويجدد نشاطهم، فكان ذلك كرامة من الله تعالى لهم، وسكينة عليهم، فقال الزبير بن العوام رضي الله عنه “لقد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد حين اشتد علينا الخوف، وأرسل علينا النوم، فما منا أحد إلا وذقنه في صدره” وقال أبو طلحة الأنصارى رضي الله عنه ” كنت فيمن تغشاه النعاس يوم أحد حتى سقط سيفي من يدي مرارا، يسقط وآخذه، ويسقط فآخذه” رواه البخارى، وفي رواية قال أبو طلحة “رفعت رأسي يوم أحد فجعلت أنظر، وما منهم يومئذ من أحد إلا يميد تحت جحفته من النعاس، فذلك قوله تعالى فى سورة آل عمران ” ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا” وكان من آيات الله تعالى في هذه الغزوة، وإكرامه لعباده المؤمنين.
استجابته تبارك تعالى لدعاء بعضهم، وإعطاؤهم ما سألوا كما روى سعد ابن أبي وقاص رضي الله عنه “أن عبدالله بن جحش قال له يوم أحد ألا ندعو الله، فخلوا في ناحية، فدعا سعد فقال “يا رب إذا لقيت العدو، فلقني رجلا شديدا بأسه، شديدا حرده أي غضبه أقاتله فيك ويقاتلني، ثم ارزقني الظفر عليه حتى أقتله، وآخذ سلبه، فأمّن عبدالله بن جحش، ثم قال “اللهم ارزقني رجلا شديدا حرده، شديدا بأسه، أقاتله فيك ويقاتلني، ثم يأخذني، فيجدع أنفي وأذني، فإذا لقيتك غدا، قلـت “يا عبدي، فيم جُدع أنفك وأذنك، فأقول فيك وفي رسولك، فتقول صدقت” وقال سعد “يا بني، كانت دعوة عبدالله بن جحش خيرا من دعوتي، لقد رأيته آخر النهار وإن أنفه وأذنه لمعلقان في خيط” رواه الحاكم.
وإنه لما دعا أحد المشركين على نفسه بالسوء استجاب الله دعاءه، فأصابه العذاب كما روى بُريدة رضي الله عنه “أن رجلا قال يوم أحد اللهم إن كان محمدا على الحق فاخسف بي، قال فخسف به” رواه البزار، ومن الآيات العظيمة في غزوة أحد أن الملائكة حضروها، ودافعوا عن النبي صلى الله عليه وسلم كما روى الشيخان من حديث سعد رضي الله عنه قال “رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ومعه رجلان يقاتلان عنه، عليهما ثياب بيض كأشد القتال، ما رأيتهما قبل ولا بعد” وقد ذكر العلماء أن الملائكة كانوا لحراسة النبي صلى الله عليه وسلم وأن الله تعالى قد وعد المؤمنين، بأنهم إن صبروا واتقوا أمدهم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين، وكان قد فعل.
فلما عصوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركوا مصافهم، وترك الرماة عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا يبرحوا منازلهم رفع الله عنهم مدد الملائكة، فصدقهم الله وعده، وأراهم الفتح، فلما عصوا أعقبهم البلاء.
زر الذهاب إلى الأعلى