الدكروري يكتب عن أبي هريرة والرَّجَّال والشكوك والظنون
بقلم / محمـــد الدكـــروري
لقد ذكرت المصادر التاريخية عن الرَّجَّال بن عنفوة، أنه كان بالرَّجَّال من الخشوع ولزوم قراءة القرآن والخير شيء عجيب، وقال عنه ابن عمر رضى الله عنهما كان من أفضل الوفد عندنا، وكان حافظا قوّاما صوّاما، وظل إخبار النبي صلى الله عليه وسلم، عالقا برأس أبي
هريرة رضي الله عنه، وكلما رأى الرَّجَّال بن عنفوة ومداومته على العبادة وزهده، ظن أن أبو هريرة عن نفسه أنه هو الهالك وأنه هو المقصود بحديث النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه هو صاحب النبوءة وأصابه الرعب والفزع، فلما ظهر مُسيلمة الكذاب في اليمامة وادّعى النبوة واتبعه خلق من أهل اليمامة، فبعث أبو بكر الصديق الرَّجَّال بن عنفوة، لأهل اليمامة يدعوهم إلى الله، ويثبتهم على الإسلام ، فلما وصل الرَّجَّال اليمامة التقاه مسيلمة الكذاب، وأكرمه.
وأغراه بالمال والذهب، وعرض عليه نصف ملكه إذا خرج إلى الناس وقال لهم إنه سمع محمد صلى الله عليه وسلم، يقول إن مسيلمة شريك له صلى الله عليه وسلم، في النبوة، ولما رأى الرَّجَّال ما فيه مسيلمة من النعيم وكان من فقراء العرب، ضعُف ونسي إيمانه وصلاته وصيامه وزهده، وخرج إلى الناس الذين كانوا يعرفون أنه من رفقاء النبي صلى الله عليه وسلم، فشهد أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول إنه قد أشرك معه مسيلمة بن حبيب في الأمر، فكانت فتنة الرَّجَّال أشد من فتنة مسيلمة الكذاب، وقد ضل خلق كثير بسببه، واتبعوا مُسيلمة، حتى تعدى جيشه أربعين ألفا، فجهّز أبوبكر الصديق جيشا لحرب مسيلمة فهُزم في بادئ الأمر، فأرسل مددا، وجعل على رأسه سيف الله خالد بن الوليد.
وكان من ضمن الجيش هو وحشي بن حرب، الذي قتل أسد الله وسيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه، ثم أسلم و ذهب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما ذهب في جيش خالد قرر أن يترصد مُسيلمة فيقتل شر خلق الله، وذلك تكفيرا عن قتل حمزة بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم، و بدأت معركة وكان لم يعرف العرب مثلها، وكان يوما شديد الهول، وانكشف المسلمون في البداية مع كثرة عدوهم وكثرة عتاده، ولولا ثبات أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأهل القرآن الذين نادوا في الناس ، فعادوا إليهم وحملوا على جيش مسيلمة حتى زحزحوه و تتبع وحشي بن حرب، مُسيلمةَ الكذاب حتى قتله بحصن قد تحصّن فيه، وانهزم بنو حنيفة، وقتل الرَّجَّال بن عنفوة، مع مَن قتل من أتباع مُسيلمة.
فمات على الكفر مذموما مخذولا، ولما علم أبوهريرة خر ساجدا شكرا لله، بعد أن أدرك أخيرا أنه قد نجا، وهكذا فإن الرَّجَّال بن عنفوة قد رافق النبي صلى الله عليه وسلم، ولزم العبادة والقرآن والزهد، ولكنه خُتم له بشرّ، فضلّ وأضل، ومات على الكفر.
زر الذهاب إلى الأعلى