عاجل

غلاء الأسعار يذبح المواطنين وغياب الرقابة يزيد الأزمة

الأسعار ناااااار

غلاء الأسعار يذبح المواطنين وغياب الرقابة يزيد الأزمة

تحقيق – فاطمة الشوا

لا صوت يعلو فوق صوت التضخم وارتفاع أسعار السلع على المستويات كافة، الأساسية منها وغير الضرورية كذلك، بعدما سيطر على أحاديث المصريين اليومية في جلسات المقاهي ووسائل النقل الجماعي العام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي.

وعلت نبرة ارتفاع أسعار السلع خلال الشهور الماضية، لتزيد حدتها مع بداية العام الجديد، وهو ما ترجمه الجهاز المركزي المصري للتعبئة والإحصاء إلى لغة الأرقام، بعدما أعلن ارتفاع مؤشرات التضخم خلال ديسمبر الماضي.

شبكة أخبار مصر
شبكة أخبار مصر

وأعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر، ارتفاع التضخم لأسعار المستهلكين إلى 35 في المئة خلال ديسمبر الماضي، في مقابل نحو 20 في المئة خلال سبتمبر من العام الماضي، مسجلاً أعلى معدل للتضخم السنوي لأسعار المستهلكين في مدن مصر منذ العام 2018، عندما سجل التضخم مستوى 15.7 في المئة.

وأرجع جهاز الإحصاء هذه الزيادة إلى ارتفاع أسعار اللحوم والدواجن بنسبة 6.8 في المئة، وارتفاع مجموعة الألبان والجبن والبيض 7.4 في المئة، إضافة إلى ارتفاع مجموعة الخضراوات 9.2 في المئة، ومجموعة الدخان 5.5 في المئة، والسلع والخدمات المستخدمة في صيانة المنزل 9.7 في المئة.

معاناة يومية

ارتفاع أسعار السلع بهذا الشكل المخيف يوميا، خصوصاً السلع الأساسية منها، دفع “شبكة أخبار مصر” إلى محاولة تقصي الحقيقة بين المواطنين والتجار والمتخصصين والبائعين للوقوف على الأسباب الحقيقية، والبداية كانت مع “م. س”، مدرس بإحدى المدارس الحكومية الذي قال إن: “الأسعار في مصر ترتفع بشكل يومي تقريباً، والأمر لا يتوقف على سلع محددة بعينها، بل إن موجة الارتفاع طالت كل شيء”، موضحاً أن “ما ينفقه على شراء المأكل والمشرب لأسرته المكونة من خمسة أفراد ارتفع بمقدار يفوق الـ 50 في المئة منذ شهرين تقريباً”، لافتاً إلى أن “الأسعار زادت مع بداية العام الدراسي الجديد، وصاحبتها قفزة في أسعار العيش الفينو والألبان والبيض، بخلاف الأدوات المدرسية” وزادت حدة ارتفاعها إلى مية في المية تقريبا مع بداية العام الجديد.

وأمام إحدى أسواق الجملة العشوائية بإحدى المناطق الشعبية بمحافظة الجيزة المجاورة للعاصمة، وقفت أسماء السيد، ربة منزل في العقد الرابع من عمرها، أمام بائع الخضراوات في مفاوضات يائسة لخفض بعض الأسعار، وبدا على ملامح وجهها فشل المفاوضات في اللحظة التي بدأت حديثها قائلة “أسعار الطماطم ارتفعت من أمس إلى اليوم بمقدار 3 جنيهات من دون مبرر”، مضيفة “أمس كان كيلو الطماطم بسبعة جنيهات وارتفع اليوم إلى عشرة جنيهات من دون سبب”.

وتؤكد أسماء أن “ارتفاع الأسعار بشكل يومي أصبح أمراً مألوفاً لنا، بل إنني أتسوق بعض أصناف الفاكهة والخضراوات في الصباح بأسعار، وفي المساء بأسعار أخرى أغلى”، قائلة “لا توجد رقابة على التجار والبائعين، ونحن المواطنون أمام الأمر الواقع، فلا يمكن أن نتراجع عن شراء الحاجات الأساسية مهما ارتفع سعرها، وما نستطيع تنفيذه هو تقليل الكميات”.

وأمام فرن لبيع العيش الفينو (مخبز) يقف محمد إسماعيل الذي تخطى العقد الثاني من عمره ويعمل ترزياً، ممسكاً بأوراق نقدية فئة الـ 50 جنيهاً لشراء عدد غير قليل من أرغفة الفينو، إذ تستخدمهم زوجته في إعداد السندويتشات لأبنائه الخمسة في مراحل التعليم المختلفة.

يبدأ محمد حديثه، “لدي خمسة من الأبناء في المراحل الدراسية المختلفة، ومع بدء العام الدراسي أشتري الفينو والبيض والجبن والألبان لإعداد طعام الإفطار أو السندويتشات لهم”.

ويضيف أنه وقف أمام البائع لشراء المعدل اليومي للأرغفة إلا أن سعر رغيف الفينو الواحد ارتفع من جنيه إلى 1.5 جنيه من دون سبب يذكر، “وانتقلت إلى محل آخر لشراء البيض واللبن والجبن وهنا كان الأمر أسوأ، إذ إن سعر البيضة ارتفع إلى ثلاثة جنيهات، وكيلو اللبن ارتفع بنحو خمسة جنيهات للكيلو، كما ارتفعت أسعار الجبن للضعف”. وتابع، “كنت أنفق على وجبة إفطار الأبناء المدرسية 50 جنيهاً ولم يعد يكفي هذا المبلغ، وأصبحت أدفع أكثر من 100 جنيه لعدد السندويتشات نفسه من دون تغير يذكر أو إضافات أخرى”.

ماذا يقول التجار؟

ومن المواطنين إلى التجار والبائعين انتقلت “شبكة أخبار مصر” لمزيد من التقصي، فقال صاحب أحد الأفران (مخابز) العيش الفينو، لم يرغب في ذكر اسمه، “إن سعر رغيف الفينو قفز من جنيه إلى 1.5 جنيه بسبب ارتفاع أسعار الدقيق بشكل جنوني ليصبح سعر طن الدقيق 25 ألف جنيه، متسائلاً “هل يمكن البيع بأقل من سعر التكلفة لأبيع بالخسارة؟”.

وفي الجهة المقابلة يقف طارق سعفان وهو صاحب محل لبيع الألبان، لتغيير لافتة أسعار البيض إلى 90 جنيها للكرتونة أي أن البيضة الواحدة إلى سعرها ثلاثة جنيهات، ويقول “إنني أفعل ذلك مضطراً. البيض في مصر أصبح بورصة يومية وفي كل لحظة السعر يتغير، وننتظر تاجر الجملة يومياً بقائمة أسعار جديدة على خلاف العام الماضي عندما كانت الأسعار تتغير مرة أو مرتين على الأكثر خلال العام الواحد”.

الحلقات الوسيطة وغياب الرقابة

وأرجع رئيس شعبة الخضراوات والفاكهة باتحاد الغرف التجارية اختلاف الأسعار في بعض المناطق وارتفاعها في مناطق أخرى إلى تعدد الحلقات الوسيطة بداية من المزارعين في الحقول ومروراً بالتاجر ثم تاجر الجملة ثم التجزئة، حتى تصل إلى المستهلك النهائي قائلاً، “كلما زادت الحلقات الوسطية زاد هذا الفارق إلى جانب أسواق الجملة غير المنظمة التي انتشرت في القاهرة الكبرى وتضم محافظات القاهرة والجيزة والقليوبية، ووصل عددها إلى أكثر من 100 سوق”، مؤكداً أن “خطورة تلك الأسواق تكمن في التسعير العشوائي للسلع والمنتجات، ويجب على الحكومة والجهات الرقابية ضم تلك الأسواق إلى الأسواق المنتظمة المعترف بها التي لا تسمح بالتسعير العشوائي للسلع غير المبرر”.

من جهة أخرى، قال رئيس شعبة المواد الغذائية باتحاد الغرف التجارية حازم المنوفي إن “هناك ارتفاعاً في أسعار يمكن تبريرها، وأخرى لا يمكن تبريرها”، موضحاً أن “ارتفاع أسعار البيض بأسعار تتراوح بين 2.5 جنيه وحتى ثلاثة جنيهات يمكن تبريره بارتفاع أسعار العلف عالمياً بعدما تضاعفت الأسعار في غضون ستة أشهر وحسب”.

وتابع، “ارتفاع سعر كيلو السكر إلى 20 جنيه حالياً لا يمكن تبريره على الإطلاق، إذ إن مصر لديها اكتفاء ذاتي من السكر بنسبة تصل إلى 90 في المئة”.

ولفت رئيس شعبة المواد الغذائية باتحاد الغرف التجارية إلى أنه “منذ بداية الشهر الحالي ارتفعت أسعار الجبنة البيضاء المعبأة 50 في المئة، وبالمقدار نفسه زادت أسعار الشاي، كما ارتفع سعر الدقيق أيضا وارتفعت أسعار الزيت بنسبة كبيرة، حيث وصل سعر ليتر الزيت إلى ستين جنيها”.

وحول تراجع أسعار القمح عالمياً، قال “بالفعل أسعار القمح تراجعت عالمياً لكن في الوقت نفسه ارتفعت كلفة النقل والشحن من خارج البلاد حتى تصل إلى المستهلك النهائي، وهذا يفسر سبب ارتفاع الدقيق”.

ومن السكر والدقيق إلى الرز الذي حققت فيه القاهرة اكتفاء ذاتياً أيضاً وتخطى حدود الـ 100 في المئة، ففي أحد محال البقالة (متجر لبيع سلع أساسية) يبدأ سعر الرز السائب من 16 جنيهاً للكيلو المنخفض الجودة، أو ما يطلق عليه الرز “الكسر”، وحتى 18 جنيهاً للصنف الأعلى جودة، أما الرز المعبأ في أكياس فيبدأ من 20 جنيهاً للكيلو، ويصل إلى 25 جنيهاً للأنواع الفاخرة المعبأة. أما في المنافذ التابعة للحكومة فيتراوح سعر الرز المعبأ ما بين 16 جنيها للكيلو إلى 18 جنيهاً.

وحول ارتفاع أسعار البيض والدواجن على رغم وصول القاهرة إلى الاكتفاء الذاتي من الدواجن وبيض المائدة، قال رئيس شعبة الثروة الداجنة بغرفة القاهرة التجارية عبدالعزيز السيد “إن الثروة الداجنة تعاني خلال الفترة الحالية نقصاً حاداً في أحد أبرز مستلزمات الإنتاج، إذ تمثل الأعلاف 80 في المئة من مستلزمات الإنتاج، وهي تستورد من خارج البلاد”، موضحاً أن “لدينا بالفعل اكتفاء ذاتياً إذ ننتج أكثر من 14 مليار بيضة، و1.4 مليار طائر سنوياً، والأزمة هي نقص الأعلاف”.

وأشار عبدالعزيز إلى أن “هناك بضائع ومستلزمات إنتاج وأعلاف بمليارات الدولارات محتجزة في الموانئ المصرية تنتظر الإفراج الجمركي بعد توفير الدولار”، مؤكداً أن “طن الأعلاف ارتفع من 7 آلاف جنيه إلى 14 ألف جنيه حالياً، والأسعار زادت بنسبة 100 في المئة، وإنتاج طبق بيض يحوي 30 بيضة يستهلك تقريباً خمسة كيلوغرامات من العلف”.

وتابع رئيس شعبة الثروة الداجنة بغرفة القاهرة التجارية أن “سعر كرتونة البيض تخرج حالياً من المزارع بنحو 75 جنيهاً كسعر بيع الجملة، ومن المفترض أن تصل إلى 80 جنيهاً إلى المستهلك النهائي، لكن نظراً لكثرة الحلقات الوسيطة تصل الكرتونة إلى 90 جنيهاً، في بعض الأماكن، وهو يعني أن سعر البيضة وصل إلى ثلاثة جنيهات”، محذراً من أن “استمرار أزمة البضائع العالقة في الموانئ المصرية قد يرفع سعر البيضة الواحدة إلى خمسة جنيهات”.

اكتفاء ذاتي ولكن!

وقال وزير التموين المصري على المصيلحي إن “مصر لديها احتياط ستة أشهر من السكر”، مشيراً إلى أن “الإنتاج الجديد من سكر القصب بدأ في هذا الشهر يناير 2023، والبنجر سيبدأ في فبراير 2023، وهو ما يعني أن مصر لديها احتياط يغطي حتى العام المقبل، ويغطي حتى الجزء الخاص ببداية الإنتاج”، مضيفاً في تصريحات نقلتها وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية، أن “مصر تنتج 90 في المئة من حاجاتها من السكر، وكل ما جرى استيراده نحو 400 ألف طن فقط، مشيراً إلى أنه “باستكمال مصنع القناة الموجود غرب المنيا والذي ستكون طاقته 600 ألف طن، فسنتمكن حينها من تصدير السكر”.

وحول الاحتياط من الرز قال الوزير المصري “إننا نمتلك 3 أشهر من الاحتياط القديم”، لافتاً إلى أن “موسم حصاد الرز بدأ وأن المساحة المزروعة تصل إلى 1.4 مليون فدان وتنتج ما بين 5.5 إلى 6 ملايين طن شعير، ونستهدف 1.5 مليون طن شعير طوال العام حتى يكون لدينا احتياط في وزارة التموين”، مؤكداً أن “مصر لديها اكتفاء ذاتي من الرز”.

لماذا يواصل التضخم ارتفاعه؟

ويرجع الارتفاع في معدلات التضخم إلى 3 عوامل، أبرزها ارتفاع الأسعار العالمية للسلع الغذائية، وبخاصة تلك التي تستوردها مصر مثل القمح وزيوت الطعام، وارتفاع الأسعار العالمية للمواد الخام وبخاصة الطاقة، وزيادة المعروض النقدي أو السيولة النقدية، والعاملان الأول والثاني خارجان عن نطاق السياسة النقدية للبنك المركزي، حيث يعود العاملان إلى أسباب عالمية أثرت في العالم ككل مثل اضطراب سلاسل التوريد، والمخاطر الجيوسياسية المرتقبة مثل الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وتغير المناخ، وانخفاض نمو الإنتاجية، والتغيرات الديمغرافية.

اظهر المزيد

شبكه أخبار مصر

فاطمة الشوا رئيس مجلس إدارة جريدة شبكة أخبار مصر وصاحبة الإمتياز

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock