الدكروري يكتب عن ولقد آتينا موسى الكتاب
بقلم/ محمـــد الدكـــروري
من أقوال المفسرين على قول الله تعالى كما جاء فى سورة القصص ” ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى بصائر للناس وهدى ورحمة لعلهم يتذكرون” وقد قال ابن عطية رحمه الله تعالى وقالت فرقة، إن الآية مضمنة أن إنزال التوراة على نبى الله موسى هو بعد

أن رفع الله تعالى عذاب الأمم فلم تعذب أمة بعد نزول التوراة إلا القرية التي مسخت قردة فيما رُوي، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، قال نبى الله موسى ” قد جئتكم ببينة من ربكم” إلى قوله ” فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين” إلى قوله ” فأغرقناهم في اليم بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين” وليس المراد بالآيات هنا كتابا منزلا.
فإن موسى لما ذهب إلى فرعون لم تكن التوراة قد نزلت، وإنما أنزلت التوراة بعد أن غرق فرعون، وخلص ببني إسرائيل، فاحتاجوا إلى شريعة يعملون بها، فقال تعالى ” ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الآولى بصائر للناس وهدى” ولكن تكذيبهم بآياته إنكارهم أن تكون آية من الله تعالى وقولهم إنها سحر، وقال في موضع آخر، والله تعالى قد جعل أكمل المؤمنين إيمانا أعظمهم بلاء كما قيل للنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ” أي الناس أشد بلاء؟ قال الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل يبتلي الرجل علي حسب دينه فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه وإن كان في دينه رقة خفف عنه ولا يزال البلاء بالمؤمن حتى يمشي علي الأرض وليس عليه خطيئة”
ومن هذا أن الله شرع من عذاب الكفار بعد نزول التوراة بأيدي المؤمنين في الجهاد ما لم يكن قبل ذلك حتى إنه قيل لم ينزل بعد التوراة عذاب عام من السماء للأمم كما قال تعالى ” ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى بصائر للناس وهدى ورحمة لعلهم يتذكرون” فإنه قبل ذلك قد أهلك قوم فرعون وشعيب لوط وعاد وثمود وغيرهم ولم يهلك الكفار بجهاد المؤمنين، ولما كان موسى أفضل من هؤلاء وكذلك رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وهما الرسولان المبعوثان بالكتابين العظيمين كما قال تعالى ” إنا أرسلنا إليكم رسولا شاهدا عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسولا” وقال تعالى ” قالوا لولا أوتي مثل ما أوتي موسى أولم يكفروا بما أوتى موسى من قبل” إلى قوله تعالى ” قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما اتبعه”
وقد أمر الله تعالى هذين الرسولين الكريمين عليهم الصلاة والسلام بالجهاد على الدين، وشريعة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم أكمل، فلهذا كان الجهاد في أمته أعظم منه في غيرهم، فقال الله تعالى “كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون” وقال تعالى ” ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلوا بعضكم ببعض” وقال الله تعالى للمنافقين “ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا” وقال أيضا إن الله سبحانه وتعالى كانت سنته قبل إنزال التوراة إذا كذب نبي من الأنبياء ينتقم الله من أعدائه بعذاب من عنده كما أهلك قوم نوح بالغرق، وقوم هود بالريح الصرصر، وقوم صالح بالصيحة.
وقوم شعيب بالظلة وقوم لوط بالحاصب وقوم فرعون بالغرق فقال تعالى ” ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى بصائر للناس وهدى ورحمة لعلهم يتذكرون” فلما أنزل التوراة أمر أهل الكتاب بالجهاد فمنهم من نكل ومنهم من أطاع.
زر الذهاب إلى الأعلى