الدكروري يكتب عن من أجله خُلقت الجنة والنار
بقلم / محمـــد الدكـــروري
من أجل آدم عليه السلام خُلقت الجنة والنار، ومجال عمله ومحك اختباره في دنياه، والعوالم مخلوقة من أجله، وملائكة الله يقومون بأمره ليل نهار، وعمره على وجه الأرض يُقاس بدورة الفلك وأفول الشمس وبزوغ القمر، فهو خليفة عن الله في أرضه بأمره ويسجل ذلك في آخر كتبه تنزيلا على خاتم رسله صلى الله عليه وسلم، فقال الله تعالى فى سورة الحجر في شأن آدم أبي البشر
” فإذا سويته ونفخت فيه من روحى فقعوا له ساجدين ” فإن هذا تكريم للإنسان، وسمو بمكانته إلى آفاق عليا، فهو بهذه النفخة من روح الله تعالى التي سرت في كيانه فمنحته الحياة العالية الكاملة، قد أصبح خلقا متفردا بصفات تؤهله لخلافة الله تعالى في الأرض، وقد شاءت الإرادة العليا أن تسلم زمام الأرض لهذا الكائن الجديد الذي وفد عليها.
ليغمرها بالخير، ويعمرها بالإصلاح والتجديد، وقد استطاع الإنسان بهذه النفخة المباركة من روح الله تعالى، وبهذه النفخة العلوية التي لابسته أن يكشف ما في الحياة من نواميس وأسرار، وأن يفجر طاقاتها الكامنة، ويكتشف كنوزها المذخورة، وبذلك استطاع أن يحقق مشيئة الله تعالى في قيادة الحياة، وأن يقوم بالمسؤولية الضخمة التي ناطها الله به ووكلها إليه، ثم أن علم الله آدم الأسماء كلها، ودخل مع الملائكة في امتحان ورجحت فيه كفته، فقد وهبه الله تعالى من العلوم والمعارف، ولا بد أن نفرق بين الروح وبين الروحانيات كما وردت في اللغة العربية، فقال الفراء، بأن الروح هو الذي يعيش به الإنسان أي الذي يقوم به الجسد وتكون به الحياة، ولم يخبر الله تعالى به أحدا من خلقه، ولم يُعط علمه أحدا من عباده.
فقال تعالى فى سورة الإسراء ” ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربى وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ” وأما بالنسبة للروحانيات فقد روى الأزهر عن أبي العباس أحمد بن يحيى أنه قال في قول الله تعالى من سورة الشورى ” وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ” قال هو ما نزل به جبريل عليه السلام من الدين فصار تحيا به الناس أي يعيش به الناس، وهذا يدل على أن الروحانيات تعني الإيمان، وإن الإيمان في الإسلام هو الاعتقاد الجازم، وأركانه هو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وبالقضاء والقدر، فقال الله تعالى فى سورة البقرة ” آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سكعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير ”
وإن مظاهر الروح المدبرة في الإنسان هما العقل والقلب، ولكل منهما مقومات خاصة، وسلطان خاص، فمقومات العقل هو العلوم، ومهمته النظر والتمحيص لإدراك الواقع، ومقومات القلب هو الشعور الفيّاض، والعواطف الكريمة، ومهمته تجلية الجمال في كل شيء، وإقامة الكمال كفاية قصوى للحياة، وإن الإنسان بين هذين المظهرين الروحيين يطلب إليه أن يقوم على حال تمكنه من الإستفادة منهما، وتجنبه التدافع بينهما ليصل إلى أرقى ما أعد له من منازل الكرامة، ومكانات الرفعة، وليعيش عيشة الحاصلين على السعادتين معا.
زر الذهاب إلى الأعلى