مقالات

الدكروري يكتب عن صبر نبي الله أيوب

الدكروري يكتب عن صبر نبي الله أيوب

الدكروري يكتب عن صبر نبي الله أيوب

بقلم / محمـــد الدكـــروري

إن ذكر للبلاء صبر فذاك صبر نبي الله أيوب عليه السلام فهو مضرب مثل، وسلوة مبتلى، ورجاء مكروب، وذكرى عابد، ورحمة أرحم الراحمين، ذاك ما أخبر عنه الله سبحانه وتعالى بقوله فى سورة ص ” إنا وجدناه صابرا ” فكيف كان حاله؟ وكيف رُفع بلاؤه؟ فقد قدّر الله بحكمته

 ورحمته على نبيه أيوب عليه السلام من البلاء ما أذهب عنه أهله وماله وعافية بدنه، فلم يبق له من أعضائه صحيح إلا قلبه ولسانه، وقد كان من أنعم الناس عيشا، وهو مع ذلك الفقد والابتلاء صابر، محتسب، وراض عن ربه عز وجل، ذاكر له صبحه ومساءه، وقد اشتدت معاقد البلاء عليه وتنوعت، وزاد شدته شدة تطاول السنين، وتسلط الشيطان عليه بالنصب والعذاب الحسي والنفسي، وتنكر الناس. 

واستثقالهم له القريبين منهم والبعيدين، حتى عافه الجليس، وأوحش منه الأنيس، ولم يبق له وفيّ من مجتمعه الذي ذاق خيره وبره إلا زوجته المؤمنة التي كانت ترعاه وتعرف سالف معروفه عليها، وأخوان كانا من أخص الناس به، وقد قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إن أيوب نبى الله صلى الله عليه وسلم لبث فى بلائه ثمانى عشر سنة، فرفضه القريب والبعيد إلا رجلين من إخوانه كانا من أخص إخوانه، كانا يغدوان إليه ويروحان، فقال أحدهما لصاحبه، تعلم والله لقد أذنب أيوب ذنبا ما أذنبه أحد من العالمين، قال له صاحبه، وما ذاك ؟ قال منذ ثمانى عشر سنة لم يرحمه الله، فيكشف ما به ؟ ” رواه ابن حبان والحاكم، وتلك سنة الله الغالبة في أصفيائه، كما قال النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم. 

” أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان دينه صلبا اشتد بلاؤه وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة ” رواه الترمذي، فما كان بلاء أيوب عليه السلام من هوانه على ربه، وما كانت شدته إمعانا في إيذائه، كلا، بل هي رحمة أرحم الراحمين، يكسر بها قلب عبده حين يُشعره بضعفه وفقره إليه، ويكون من أقرب الناس منه، والله سبحانه عند المنكسرة قلوبهم لأجله، ولا كسرة ككسرة قلب المريض ولذا قال الله تعالى في الحديث القدسي الذي رواه مسلم ” أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده، أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده؟ ” وصار هذا البلاء مطهرة للذنوب.

ومرقاة لأعلى الدرجات، فيقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ” ما من مسلم يشاك شوكة، فما فوقها إلا كتبت له بها درجة، ومحيت عنه بها خطيئة ” رواه مسلم، وغدا بلاء أيوب عليه السلام ذكرى لكل عابد معتبِر، يعلم أن الله قد يبتلي أولياءه ومن أحب من عباده في الدنيا بضروب من البلاء في نفسه وأهله وماله، من غير هوان به عليه، ولكن اختبارا منه له، ليبلغ بصبره عليه واحتسابه إياه وحسن يقينه منزلته التي أعدها له تبارك وتعالى من الكرامة عنده، ولما كان للبلاء وقته الذي قدره الله مما تتحقق به الغاية منه، وتكاملت أيامه، هيّأ الله للفرج سببه وهدى نبيه أيوب عليه السلام لمناجاته بدعاء المنكسر المتأدب مع ربه كما قال الله تعالى فى سورة الأنبياء ” أنى مسنى الضر وأنت أرحم الراحمين ” ويقول ابن القيم رحمه الله أنه جمع في هذا الدعاء بين حقيقة التوحيد، وإظهار الفقر والفاقة إلى ربه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock