تحليل سياسي يكشف دور الحزب الشيوعى الأمريكى فى نشر الديمقراطية
متابعة – علاء حمدي
اصدرت الدكتورة/ نادية حلمى الخبيرة المصرية فى الشؤون السياسية الصينية والآسيوية- أستاذ مساعد العلوم السياسية جامعة بنى سويف تحليل سياسي يكشف دور الحزب الشيوعى الأمريكى فى نشر الديمقراطية جاء فيه :
يقع الحزب الشيوعى الأمريكى على مسافة ليست بعيدة عن شارع “وول ستريت الأمريكى المعروف” فى الطابق السابع من مبنى يتألف من ثمانية طوابق في شارع ٢٣ ويست، حيث هو المقر الرسمى المعلن للحزب الشيوعى الأمريكى، وتم الإحتفاظ بطابعه الشيوعى حتى هذه اللحظة، من خلال تلك الصور المعلقة على حوائط مقره، والتى تضم أبرز الشخصيات الشيوعية البارزة فى تاريخ الحزب. كما تملأ أعمال (ماركس وإنجلز ولينين) أرفف المكتبة الرئيسية به.
ويعد الحزب الشيوعى الأمريكى أحد الأحزاب السياسية اليسارية فى الولايات المتحدة الأمريكية، ويعتبر من الأحزاب العريقة على الساحة السياسية الأمريكية، فقد لعب دوراً مهماً فى التاريخ السياسى الحديث فى واشنطن، بالرغم من إضطهاده وعرقلة سير أعماله وصعوده، والقبض على أعضائه خلال حقبة الخمسينيات، وبالرغم من معارضته لقرارات السياسة الأمريكية وغضبه الدائم من ظلم مكتب التحقيقات الفيدرالى فى واشنطن، إلا أن الملاحظة الجديرة بالذكر عندى، هى مدى عدالة الحزب الشيوعى الأمريكى نفسه مقارنةً بمواقف حكومته نفسها، بإعتباره كان من أشد الرافضين للحصار الإقتصادى الأمريكى على العراق عقب الإجتياح العراقى للكويت حفاظاً على مصالح الشعب العراقى فى المقام الأول، كما عارض فكرة غزو العراق من قبل قوات التحالف الأمريكى فى عام ٢٠٠٣، ومحاولته إيصال صوته لصناع القرار فى الإدارة الأمريكية، ولا سيما من خلال التيارات واللوبيات السياسية اليهودية ذات الطابع اليسارى والإشتراكى والشيوعى.
وعلى المستوى الشخصى والتحليلى – وبإعتبارى متخصصة فى دراسات الحزب الشيوعى والتيارات اليسارية والشيوعية حول العالم وعلى رأسها الحزب الشيوعى الصينى – فربما كان أكثر ما إستوقفنى تحليلياً، هو ما ذكرته عدد من التقارير، بأن تأسيس “وكالة المخابرات المركزية الأمريكية” نفسها، لم يكن إلا تنفيذاً لسياسة محاربة الشيوعية، وفى قرارات وقعها الرئيس الأمريكى الأسبق “هارى ترومان”، والذى تمر اليوم، وتحديداً فى شهر مايو المقبل لعام ٢٠٢٣ الذكرى الثامنة والسبعين على إعلانه بشأن سياسته الخاصة بمحاربة الشيوعية، وذلك منذ إعلانها فى ٢٢ مايو عام ١٩٤٥، وكان مبدأ “ترومان”، هو محاربة الشيوعية داخل المجتمع الأمريكى، وإعتبارها كسياسة خارجية أمريكية عليا، بهدف صيانة المصالح القومية الأمريكية والنفوذ الأمريكى عن طريق محاربة إمتداد الشيوعية فى جنوب شرق أوروبا وغيرها من المناطق الأخرى حول العالم.
فقد عملت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية على تمويل كل الأحزاب المناهضة للشيوعية حول العالم والموالية للحزب الشيوعى الصينى، حتى فى دول أوروبا الغربية الديموقراطية، مثل: (إيطاليا، فرنسا، ألمانيا الغربية)، أى أن الأمر اللافت للنظر عندى، هو عدم إحترام الحكومة الأمريكية لقواعد وأسس الديموقراطية التى تحاول نشرها حول العالم، بمحاربتها للشيوعيين داخل أمريكا وحول العالم، منذ سنوات الحرب الباردة حتى الآن، وهذا يؤكد عدم إحترام صناع القرار فى واشنطن لإرادة أى شعب فى الإختيار الحر. بل وبلغ الأمر حداً إستفزازياً غير معقول، بتدخل وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بالمال والنفوذ والعلاقات والسلاح والتخريب فى أى عملية إنتخابية يرجح فوز الشيوعيين بها، من أجل تعطيلها أو إفشال مؤيديها لصالح خصومها أو لمنع إيصال وكلائها الموالين للشيوعيين إلى السلطة.
ومن خلال رؤيتى التحليلية على مدار الفترة السابقة، لتجميع عدد من الوثائق النادرة الشيوعية الخاصة بالمجتمع الشيوعى الأمريكى فى المقام الأول، سواء كان عبارة عن (مقتطفات من مختلف المواد والنشرات الإخبارية والمجلات، بالإضافة إلى مقتطفات من أوراق الحزب الشيوعى الأمريكى ذاته ومحاضر الإجتماعات الخاصة به، وبعض الدراسات الأكاديمية الشيوعية وعدد من الوثائق الأخرى)، والتى تسلط الضوء على عدد من المصادر الخاصة بالمرحلة الشيوعية الأمريكية، لكي يدرك الجميع مدى الدور الهام للحزب الشيوعى الأمريكى على مستوى الفكر والعمل الميدانى على أرض الواقع، ودوره النضالى الهام والمؤثر فى داخل المجتمع الأمريكى مع العمال وصغار الفلاحين والعاطلين عن العمل والنساء والمواطنين السود. وهنا، ربما لا يعرف الكثير من الشيوعيين حول العالم سوى القليل عن مساهمات الشيوعيين الأمريكيين السود، رجالاً ونساءً، فى نشاط ونضالات الحزب الشيوعى الأمريكى، وأيضاً دورهم المؤثر فى الحركة الشيوعية العالمية ذاتها.
فقد لعبت صحف ومنشورات الحزب الشيوعى الأمريكى الذى تأسس فى سبتمبر عام ١٩١٩ دوراً كبيراً فى المجتمع الأمريكى، من خلال إصداره لعدد كبير من الصحف الناطقة بإسمه، كان أبرزها صحيفة “الشيوعى” التى أدت دوراً بارزاً فى نشاط الحزب من الناحيتين: المادية والإعلامية، وتعبئة الجماهير للإنضمام إلى صفوف الحزب، فكانت الداعم الأول للحزب الشيوعى الأمريكى فى الداخل، وإزداد إصدار الصحف الشيوعية بحسب الجماعات المنتمية إليه، فقد مثل المهاجرون الأجانب ممن لا يجيدون التحدث باللغة الإنجليزية الغالبية العظمى بين أعضائه، لذلك ظهرت أكثر من صحيفة كل منها تصدر باللغة الناطقة بلسان تلك الجماعات. مما أدى لإزديادها وتوسع نشاطها، الأمر الذى أدى إلى تعرضها لمهاجمة السلطات الأمريكية لمقراتها وإغلاقها بعد مصادرة ممتلكاتها من الصحف وآلات الطباعة، فتسبب ذلك فى لجوئها لسنوات طويلة للعمل السرى الذى يشوبه الحذر والخوف خوفاً من مطاردة السلطات الفيدرالية، فأدى بالنتيجة إلى تقليص عدد تلك الصحف أو دمجها مع بعضها لتحقيق هدفين، هما: تقليص المصروفات، أو إبقاء المادة التى تنشر على حالها قدر المستطاع.
ولقد ساهمت التيارات الشيوعية واليسارية الأمريكية فى عرقلة صعود ونمو التيار اليمينى المتطرف داخل المجتمع الأمريكى وحتى الفترة الأخيرة من عهد الرئيس الأسبق “دونالد ترامب”، بمساهمتها فى نضالات قطاع العمال من أجل تحسين ظروف العمل (فى المصانع المختلفة وورشات التعبئة والتغليف ومناجم الفحم والمعادن والسكك الحديدية والتجارة والبناء والكهرباء وصناعة الجلد والمنسوجات، وغيرها…). فضلاً عن دور الحزب الشيوعى الأمريكى فى الدفاع عن أفكار أعضاؤه، بتنظيمه حملات للدفاع القانونى عن أعضائه، وخاصةً من المناضلين السود والنساء المعرضين والمعرضات للعنف من قبل أرباب العمل والجماعات العنصرية وقوات الشرطة، وأسس الحزب الشيوعى الأمريكى منظمة قوية للدفاع عن كل هؤلاء (الشيوعيين وغير الشيوعيين) من الذين تعرضوا للتهديد من قبل جهاز الدولة الرأسمالى الفيدرالى الأمريكى، وهو الأمر الذى جذب العديد من المتعاطفين معه سواء داخل المجتمع الأمريكى أو حول العالم.
فقد نجح الحزب الشيوعى الأمريكى فى التصدى لحركة اليمين المتطرف فى عدد من المناطق الأمريكية، وقيادته لحركة العاطلين عن العمل فى المناطق السكنية ذات الأغلبية السوداء، وتبنى نضالهم من أجل المساواة العرقية، وبالأخص فى شمال وجنوب الولايات المتحدة الأمريكية، مما سمح للحزب الشيوعى الأمريكى بتجنيد الآلاف من المناضلين “الراديكاليين” السود فى جميع أنحاء الدولة الأمريكية، ليصبح أكبر حزب يسارى ربما أفضل الأحزاب تنظيماً.
وقاوم الحزب الشيوعى الأمريكى حملات الظلم والإضطهاد التى تعرض لها أعضاؤه، بإضطهاد وإغتيال السود الذين يحاولون الهجرة من جنوب الولايات المتحدة الأمريكية (موطن التمييز العنصرى)، مما جعله يتمتع بشعبية بين السكان السود، وزاد عدد أعضاء الحزب الشيوعى الأمريكى أربعة أضعاف بين عامى ١٩٢٨ و ١٩٣٤، بعد أن أثبت الشيوعيون أنهم أكثر المناضلين نشاطًا وموثوقية وشجاعة فى النضالات اليومية فى مكان العمل أو مع العاطلين عن العمل أو مع ذوى البشرة السوداء، أو مع صغار المزارعين فى الريف والقرى… إلخ. مما سمح للحزب الشيوعى الأمريكى بإكتساب ثقة الملايين من الناس البسطاء خلال فترة أزمة الكساد الإقتصادى العالمى سنة ١٩٢٩، فكان الحزب وحلفاؤه (بين عامى ١٩٣٥ و ١٩٣٩) فى قيادة (المؤتمر الوطنى للزنوج)، وهو تحالف يضم العديد من المجموعات المدنية المناضلة ضد التمييز، كما كان أعضاء الحزب الشيوعى الأمريكى فى قيادات المجموعات الطلابية اليسارية الرئيسية، كإتحاد الطلاب الأمريكان، ومن على شاكلته، مثل: (مؤتمر الشباب الأمريكى). وقاد الشيوعيون الأمريكان لعدة تحالفات واسعة من المنظمات المناهضة للحرب والفاشية، وكانوا كذلك من المناضلين الأساسيين ومن قادة المنظمات الزراعية. أما داخل الحركة العمالية، فقد سيطر مناضلو الحزب أو كان لهم تأثير على الكثير من النقابات العمالية، وعلى رأسها: (إتحاد نقابات الصناعة)
CIO
ونجد هنا، مدى جدية الحزب الشيوعى الأمريكى فى التعامل مع قضايا لم يتطرق لها اليسار الأمريكى نفسه، كحرصه الشديد على تنظيم النساء، والمواطنين السود، وجنى الحزب الشيوعى الأمريكى بالفعل ثمار ذلك، من خلال مساهمة النساء بكثافة فى نشاطه حتى اليوم، لكفاحه ضد التحيز الجنسى بشأن النساء.
وهنا نجد مدى قوة التنظيمات السرية للحزب الشيوعى الأمريكى – وحتى هذه اللحظة – فى التصدى لصعود التيارات اليمينية المتطرفة داخل المجتمع الأمريكى، وهو ما إتضح من خلال عدد من التجمعات والإحتجاجات البرجوازية الصغيرة، والتى رفعت شعارات يسارية براقة داخل المجتمع الأمريكى، مثل شعار “إحتلوا وول ستريت”، فضلاً عن إصطفاف الحزب الشيوعى الأمريكى بقوة فى جميع المظاهرات الإحتجاجية ضد إغتيال السود، وموجات الإضرابات المتتالية، خصوصاً منذ صيف عام ٢٠٢١، لذا يؤكد كافة العاملون والمواطنون السود على تلك الأداة التنظيمية الماهرة للحزب الشيوعى الأمريكى لخلق أطر لتنسيق النضالات ودعمها ونشر الأخبار والتعليقات بشأنها.
وهنا يظهر لنا مدى تعنت الديمقراطية الأمريكية ذاتها فى مواجهة المد الشيوعى الأمريكى، من خلال إستخدام السلطات الأمريكية لجهازها القمعى (مكتب التحقيقات الفيدرالى، والمعروف بإسم “إف بى آى”) لملاحقة التقدميين اليساريين والشيوعيين والمواطنين السود، بينما تتجاهل نفس تلك السلطات الفيدرالية الأمريكية ذاتها أو تدعم وتغض النظر عن نشاطات وفعاليات متطرفة، مثل نشاطات: المجموعات اليمينية المتطرفة، مجموعات الدفاع عن حرية حمل السلاح، وجماعات تفوق البيض مثل “جماعة كو كلوكس كلان”، والتى ترتكب جرائم تسجل دوماً ضد مجهول، دون أن يعثر مكتب التحقيقات الفيدرالى الأمريكى على مرتكبى هذه الجرائم، وفقاً لنشراته المعلنة. وهذا يدل على مدى الدور البارع الذى قد تلعبه تلك التيارات والحركات الشيوعية الأمريكية فى عرقلة المد والصعود اليمينى المتطرف سواء داخل أمريكا أو أوروبا، وهو ما تحاول السلطات الأمريكية الرسمية نفسها إيقافه بعرقلة عملها وأنشطتها لصالح التيار اليمينى المتطرف المقرب من الرئيس الأمريكى الأسبق “ترامب” والرافض لسياسات الصين وحزبها الشيوعى الحاكم.
زر الذهاب إلى الأعلى