مقالات

الدكروري يكتب عن قصاص الجوارح

الدكروري يكتب عن قصاص الجوارح

الدكروري يكتب عن قصاص الجوارح

بقلم / محمـــد الدكـــروري

إن الزنا جريمة من أفحش الجرائم وأبشعها، وعدوان على الخلق والشرف والكرامة، ومقوض لنظام الأسرة والبيوت، ومروج للكثير من الشرور والمفاسد، التي تقضي على مقومات الأفراد والجماعات، وتذهب

 بكيان الأمة، ومع ذلك فقد احتاط الإسلام في إثبات هذه الجريمة فاشترط شروطا لا يقام الحد إلا من خلالها، وعلى أية حال فإن الإسلام قد جعل حدودا وتعزيرات وقصاصا فأما القصاص فإنه حق الأفراد فإن شاءوا عفوا، وإن شاءوا أخذوا حقهم، وأما التعزير فكل جرم ليس فيه حد ففيه التعزير، وهكذا فأن شرع القصاص هو أنه يفضي إلى الحياة في حق من يريد أن يكون قاتلا، وفي حق من يراد جعله مقتولا وفي حق غيرهما أيضا، أما في حق من يريد أن يكون قاتلا.

فلأنه إذا علم أنه لو قَتل إنه سيقتل فسوف يترك القتل فلا يقتل فيبقى حيا، وأما في حق من يراد جعله مقتولا، فلأن من أراد قتله إذا خاف من القصاص ترك قتله فيبقى غير مقتول، وأما في حق غيرهما، فلأن في شرع القصاص بقاء من هم بالقتل، أو من يهم به وفي بقائهما بقاء من يتعصب لهما، لأن الفتنة تعظم بسبب القتل فتؤدي إلى المحاربة التي تنتهي إلى قتل عالم من الناس وفي تصور كون القصاص مشروعا زوال كل ذلك وفي زواله حياة الكل، وأيضا أن المراد من القصاص هو أن نفس القصاص سبب الحياة وذلك لأن سافك الدم إذا أقيد منه ارتدع من كان يهم بالقتل فلم يقتل، فكان القصاص نفسه سببا للحياة من هذا الوجه، وأيضا يدخل فيه القصاص في الجوارح والشجاج وذلك.

لأنه إذا علم أنه إن جرح عدوه اقتص منه زجره ذلك عن الإقدام فيصير سببا لبقائهما، لأن المجروح لا يؤمن فيه الموت وكذلك الجارح إذا اقتص منه وأيضا فالشجة والجراحة، التي لا قود فيها داخلة تحت الآية، لأن الجارح لا يأمن أن تؤدي جراحته إلى زهوق النفس فيلزم القود، فخوف القصاص حاصل في النفس، وأن المراد من القصاص هو إيجاب التسوية، فيكون المراد أن في إيجاب التسوية حياة لغير القاتل، لأنه لا يقتل غير القاتل بخلاف ما يفعله أهل الجاهلية، ولهذا كانت العرب تقول القتل أنفى للقتل، وقتل البعض إحياء للجميع، ولذلك فإن الله تعالى رحيم بعباده، فقد شرع لهم ما ينفعهم في دنياهم وآخرتهم، وشرع لهم ما يحفظ الكليات الخمس، وهى الدين، النفس، العقل، العرض، المال. 

وقد يعرف البشر الحكمة من بعض الأحكام وقد يعرفون جزءا منها وقد لا يعرفونها، فالله تعالى شرع لهم ما ينفعهم وإن جهلوا الحكمة من التشريع، وإن شرعت الشريعة الإسلامية الغراء القصاص ومع ذلك فقد أحاطت تطبيق هذه العقوبة القاسية بسياج من الضمانات والكثير من الشروط التي تبعدها عن الخطأ والشّبهة عند تطبيقها، فهناك عدالة القضاء، مع الإقرار بالجريمة، مع شهادة العُدول، مع عدم وجود أي شبهة يمكن أن يستند إليها القاضي إذا لاحت له، لينتقل من عقوبة الإعدام إلى ما بعدها من عقوبات، وهكذا فإن قتل النفس جريمة كبيرة، فقال الله تعالى فى سورة المائدة “من قتل نفسا بغير نفس أو فساد فى الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا”

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock