الدكروري يكتب عن الأرض وأجساد الانبياء
بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن المؤمن يصدق بكل ما جاء عن الله عز وجل وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، ويؤمن بكل ما أخبر به الله تعالى ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، وقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء، وأنهم باقون في قبورهم على الهيئة التي وضعوا عليها لا تأكلهم الأرض، بل أجسادهم باقية، وهم أحياء في قبورهم حياة برزخية أكمل من حياة الشهداء التي قال الله عز وجل فيها فى سورة آل عمران ” ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون” فأخبر عن الشهداء بأنهم أحياء، ورسل الله الكرام هم أكمل حياة من الشهداء، والحياة البرزخية لا يختص بها الأنبياء ولا الشهداء، بل هي ثابتة لكل من يموت، فكل من يموت في نعيم أو عذاب، فيصل إلى جسده وروحه من النعيم أو العذاب ما يستحقه.
وحتى لو أن الأرض أكلت لحوم البشر من غير الأنبياء فإن العذاب يصل إلى من يستحقه، والنعيم يصل إلى من يستحقه، ولا تلازم بين كون الأرض تأكله وبين كونه لا يصل إليه النعيم أو العذاب لأن حياة البرزخ من أمور الغيب التي لا يعلمها إلا الله عز وجل، وكما أن ما بين بيته ومنبره صلى الله عليه وسلم روضة من رياض الجنة، فقال صلى الله عليه وسلم “ما بين بيتى ومنبرى روضه من رياض الجنة” وقد اختلف العلماء في معنى قوله صلى الله عليه وسلم “روضة من رياض الجنة” فقيل أن ذلك الموضع بعينه ينقل إلى الجنة لأنه موضع من مواضع الجنة وروضة من رياضها، وقيل أن العبادة فيه تؤدي بصاحبها إلى الجنة، وقال ابن بطال الروضة فى كلام العرب هو المكان المطمئن من الأرض فيه النبت والعشب.
وإنما عنى صلى الله عليه وسلم أن ذلك الموضع للمصلي فيه، والذاكر الله عنده والعامل بطاعته كالعامل فى روضة من رياض الجنة، وأن ذلك يقود إلى الجنة، وقال ابن عبد البر في تأويل قول النبي صلى الله عليه وسلم ما بين بيتي ومنبري وروي ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة، فقال قوم معناه أن البقعة ترفع يوم القيامة فتجعل روضة في الجنة، وقال آخرون هذا على المجاز وقال ابن عبد البر، كأنهم يعنون أنه لما كان جلوسه وجلوس الناس إليه يتعلمون القرآن والإيمان والدين هناك شبه ذلك الموضع بالروضة لكرم ما يجتنى فيها وأضافها إلى الجنة لأنها تقود إلى الجنة كما قال صلى الله عليه وسلم “الجنة تحت ظلال السيوف” ويعني أنه عمل يوصل به إلى الجنة، وكما يقال الأم باب من أبواب الجنة يريدون أن برّها يوصل المسلم إلى الجنة مع أداء فرائضه.
وهذا جائز سائغ مستعمل في لسان العرب والله أعلم، وقوله صلى الله عليه وسلم ” ومنبرى على حوضى” أي ينقل المنبر الذي كان عليه أثناء هذه الكلمة وأثناء هذه المقالة، يوم القيامة فينصب على حوضه صلى الله عليه وسلم، ولقد بلغ عليه الصلاة والسلام منه ومن العلم الغاية القصوى التي لم يبلغها بشر سواه، يعلم ذلك من تتبع مجاري أحواله واطراد سيره، وطالع جوامع كلمه، وحسن شمائله، وبدائع سيره، وحكم حديثه، وعلمه بما في التوراة والإنجيل والكتب المنزلة، وحكم الحكماء، وسير الأمم الخالية وأيامها، وضرب الأمثال، وسياسات الأنام وتقرير الشرائع، وتأصيل الآداب النفيسة، والشيم الحميدة، إلى فنون العلوم التي اتخذ أهلها كلامه فيها قدوة، وإشاراته حجة، كالطب، والحساب.
والفرائض، والنسب، وغير ذلك، دون تعليم ولا مدارسة ولا مطالعة كتب من تقدم ولا الجلوس إلى علمائهم، بل نبي أمي لا يعرف شيئا من ذلك، شرح الله صدره وأبان أمره وعلمه، وبحسب عقله كانت معارفه صلى الله عليه وسلم إلى سائر ما علمه الله وأطلعه عليه من علم ما يكون وما كان، وعجائب قدرته، وعظيم ملكوته، فقال تعالى في سورة النساء ” وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما “.
زر الذهاب إلى الأعلى