الدكروري يكتب عن إستقبال عام جديد
بقلم / محمـــد الدكـــروري
لقد فتح الله تعالي بابه للتائبين وجعل باب التوبة من أوسع الأبواب إذ عرضه مسيرة أربعين سنة فيقول الله تعالى وهو يدعو العصاة إلى التوبة ” قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ” ويقول ” وأني لغفار لمن تاب وأمن وعمل صالحاً ثم اهتدى” ويقول صلى الله عليه وسلم ” إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل” وبعد أيام سيحل علينا عام ميلادى جديد، وهكذا تمر الأيام سريعا دون أن ندرى ولقد مضى عام من عمرنا، وكل منا يحتفي ويحتفل بذكرى ميلاده، وزيادة عام من عمره، والمتأمل المتبصر يعلم أنه قد نقص من عمره عام، نعم نقص من عمره عام، فقد يظن البعض أن عمره زاد عاما فالعام الماضي كنت أبلغ تسعا وثلاثين سنة.
وهذا العام قد بلغت الأربعين فزاد عمري، نقول له لا، بل نقص عمرك يا مسكين وأنت فى غفلة ولا تدرى، ويقول بعضهم كيف يفرح؟ من يومه يهدم شهره، وشهره يهدم سنته، وسنته تهدم عمره؟ وكيف يفرح من عمره يقوده إلى أجله، وحياته تقوده إلى موته ؟ فإن الإنسان في هذه الحياة الدنيا كمثل المسافر، حيث يقول ابن القيم رحمه الله، الناس منذ خلقوا لم يزالوا مسافرين, وليس لهم حط رحالهم إلا في الجنة أو في النار، والعاقل يعلم أن السفر مبني على المشقة وركوب الأخطار، ومن المحال عادة أن يطلب فيه نعيم ولذة وراحة, إنما ذلك بعد انتهاء السفر، وفي توديع عام واستقبال آخر، يجدر بالنفس أن تقف وقفة محاسبة، وقفة صدق وتفكر، واعتبار ومُساءلة، فمن حاسب نفسه في دنياه خف عليه حسابه في أخراه.
ومن أهمل المحاسبة دامت عليه الحسرة، وساءه المنقلب والمصير، وخير مذكر، وأعظم واعظ، هو ذكر هادم اللذات، ومفرق الأحبة والجماعات، وهو الموت، وجدير بمن الموت مصرعه، والقبر مضجعه، والقيامة موعده، والجنة أو النار مورده، جدير به ألا يكون له تفكير إلا في المصير، والنظر إلا في العاقبة فالقبر مقر، وبطن الأرض مستقر، وإن تقارب الوقت والزمن وسرعة مروره دون فائدة علامة على قرب الساعة، فقد أخرج الترمذي عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان، فتكون السنة كالشهر، والشهر كالجمعة وتكون الجمعة كاليوم ويكون اليوم كالساعة، وتكون الساعة كالضرمة بالنار” وفي رواية ” وتكون الساعة كاحتراق السعفة الخوصة “
أي ورق الجريد اليابس، فهذه العلامة من علامات الساعة هى من أوضح العلامات وأظهرها اليوم، إذ أننا نشهد وقوعها اليوم ونراها واضحة جلية، فالوقت يمر على الناس بصورة سريعة تدعو للدهشة والتأمل، فلا بركة في الوقت، حتى يخيل إلى الواحد أن السنة كالشهر، والشهر كالأسبوع، والأسبوع كاليوم، وقد صدق النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، فى وصفه هذا، وقال ابن حجر، قد وجد ذلك في زماننا هذا , فإننا نجد من سرعة مر الأيام ما لم نكن نجده في العصر الذي قبل عصرنا هذا، ونحن اليوم نشهد بوضوح هذه المعاني لتقارب الزمان فلا يوجد بركة في الوقت وأصبح الناس يتحدثون عن السنوات وكأنها أشهر فما بالك بالأيام والأسابيع.
زر الذهاب إلى الأعلى