فن

شيمان ديه دام ” ما انجبته المطبعة

شيمان ديه دام " ما انجبته المطبعة

” شيمان ديه دام ” ما انجبته المطبعة

                                                          

بقلم د/ شيرين العدوي 

   

يأخذك هذا العمل القصصي للأديب خالد ثابت إلى عالمه مباشرة؛ فالكاتب مهموم بآلام الناس يغمس قلمه في نبض الشارع المصري، وما يحفل به من متغيرات اجتماعية كبيرة مست الإنسان في الصميم. فلماذا اختار هذا العنوان؟! ليعبرعن الخندق الذي يفصل بين المجتمعين الغربي والشرقي، والذي بني من جثث الطرفين. وهو المعبر الوحيد الذي يجب أن نعبره لنقيم السلام الكبير؛ فلا فرق بين هموم الإنسان علي الجانبين. فالحروب صنعها الإنسان ثم قاسى ويلاتها بعيدا عن هويته. أما الخندق الآمن الذي أراده خالد ثابت في مجموعته فهو:الشراكة الإنسانية المصبوغة بالعشم وهي واحدة من سمات الحب الذي يعتبرالخندق الآمن الذي يحمي المجتمعات وأفرادها. يضعك الكاتب أمام إشكالية كبري عندما يسمي المجموعة “بالمتواليات الموسيقية” حيث تبدأ بافتتاحية العمل لتقول للقارئ: انتبه؛ أنا لست بمفردي.

 أنا نتاج من سبقوني من العلماء الأفذاذ، وينبه القارئ أنه سيحكي له حكاية: هذه الحكاية كانت عن عالم الفيزياء الدنماركي ” نيلز بور” الذي حصل علي نوبل فيما بعد؛ حيث أجاب إجابة استهزائية علي سؤال لا منطقي وضع في ورقة الأسئلة، وكانت إجابته غير منطقية علميا؛ لكنها تحل إشكالية السؤال ليقول للجميع: إن الفيزياء حياة وليست علما فقط، هذا هو الرمز الذي قصده خالد ثابت في مجموعته؛ حيث أراد أن يقول لنا: إن قصصي حياة، تعتمد علي الكلام وإن كانت لغة فلا تحاسبني أيها القارئ بمنطق اللغة؛ ولكن حاسبني على متواليتي الموسيقية التي ستنتج متعة تقرؤها عبر صفحاتي، وستعلو وتهبط داخل العمل لتصنع لك حياة حقيقية، ربما تقودنا جميعا لإصلاح جراح حربنا مع الحياة. ثم ينقلنا إلي اقتباسين لعالمين جليلين هما: تمام حسان ومحمد فكري الجزار ورؤيتهما في التفريق بين اللغة والكلام؛ ليؤكد لنا أن المعرفة والقواعد لا ينبغي أن تتحول إلى قيود تعوق حركة الانطلاق والابتكار، فيبين عن عمقه كأديب، باعتبارالقصّ نشاطا وفنا لغويا في المقام الأول. ولن ندهش بعد ذلك إذا ما وجدنا أنفسنا أمام كاتب يقدر اللغة حق قدرها، ومن ثم فقد أسلمت له قيادها يطوعها أنّى شاء.

 المتن الحكائي لتلك المتوالية تكشف لنا عن اهتمام الكاتب بالجماعة المغمورة التي أصبحت تشكل جانبا مهما من تكوين الشعب المصري؛ حيث تعاني من الضغوطات الاجتماعية، وتواجه العوائق ومشكلات الفهم. تسعى إلي متنفس أو خلاص. نجد هذا من خلال عناوينه حتي التي تحمل روح التفاؤل؛ ففي ثناياها الهم المجتمعي المؤرق. وقد امتلك الكاتب أدواته الفنية التي مكنته من القدرة علي الوصف الدقيق، والاستقصاء المتأني، كما تجلت قدرته علي الحوار، الذي تبدى في كثير من قصصه؛ 

بل إن هناك قصصا تبنى كلية على الحوار مثل قصة “تهنئة” وهو حوار نام، يكشف عن مسارب النفس في اكتناز باهر. تبدأ القصة بمهنئ عبرالهاتف للأستاذ “فاتح” الذي تقلد منصب مدير متحف التحضر والإنسانية،وتبدو ردود أفعال المُهَنأ صادمة حيث لا يرد إلا بجملة واحدة هي: ” ربنا يستر.أهي أيام وبنقضيها”!. لنكتشف فداحة الموقف من خلال رد البطل. إذ لم يعد هناك لا تحضر ولا إنسانية. وللحديث بقية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock