مقالات

من ” حكايات الزمان والمكان و البشر”

من ” حكايات الزمان والمكان و البشر”

بقلم حسين عبد اللطيف

المناخ و البقاء ” أو ” عندما يطغى البحر و البشر “
تنيس بكسر التاء و تشديد النون مدينة كانت تقع في شمال بحيرة المنزلة التي عرفت قديما باسم بحيرة تنيس. و كان يطلق عليها “بغداد الصغرى ” و تقع في الجنوب الغربي من مدينة بورسعيد على بعد مسافة تسعة كيلومترات و يذكر المقريزي في كتابه ” الخطط ” بأن جزيرة تنيس يرجع اسمها إلي تنيس بن حام بن نوح و قد بناها أحد ملوك الأقباط و كان بها مائة باب لكبرها و عظمتها و هي من أكثر المدن المنتجة للحرير”.
و يصف ناصر خسرو مدينة تنيس فيقول : ” أنها جزيرة و مدينة جميلة بعيدة عن الساحل بحيث لا يرى إلا من اسطحها و المدينة مزدحمة و بها اسواق فخمة و قد يبلغ عدد الدكاكين بها عشرة آلاف منها مائة دكان عطار، و طول المدينة من الجنوب إلي الشمال ثلاثة آلاف و مائتا ذراع و عرضها من الشرق إلي الغرب ثلاثة آلاف و خمسة و ثمانون ذراعا و كان لها تسعة عشر بوابة مصفحة بالحديد كما كان بها ستة و ثلاثون حماما و مائة معصرة لزيت السيرج و القصب . و مائة و ستون طاحونة و من الحوانيت الفان و خمسمائة حانوت برسم البضائع و بها نحو مائة و ستين مسجدا و بكل مسجد منارة و بها جامع طوله مائة ذراع و عرضه أحدى و سبعون ذراعا يوقد فيه كل ليلة الف و ثمانمائة قنديل و بها اثنتان و سبعون كنيسة و مخبزا .”
أحرزت مدينة تنيس شهرة واسعة عبر قرون عديدة من العصور القديمة و حتى العصور الوسطى في مجال الصناعة و التجارة رغم ظروفها الصعبة بحكم موقعها الجغرافي في جزيرة وسط بحيرة واسعة يغلب عليها الماء المالح و يقل فيها الماء العذب.
اشتهرت تنيس بزراعة الكتان و صناعة منسوجاته ، يذكر ياقوت الحموي في كتابه ” معجم البلدان ” أن نساجي الثياب في تنيس و دمياط كانوا من القبط مما جعل العرب يطلقون على المنسوجات المصرية اسم القباطي. و يقول ابن حوقل في كتابه ” المسالك و الممالك “عن مصر : ” من جليل مدنها و فاخر خواصها ما خصت به تنيس و دمياط فيهما يتخذ و يعمل رفيع الكتان و ثياب الشروب ( التي تتشرب العرق) و الدبيق و المصبغات من الحلل التنيسية التي ليس في الأرض ما يدانيها من القيمة و الحسن و النعمة و الترف و الدقة “.كما اشتهرت مدينة تنيس أيضا بصناعة الحرير المتغير الألوان المنسوج بالذهب و الذي ربما يبلغ ثمن الثوب منه عشرة آلاف دينار و كان يصنع في مدينة تنيس وحدها و يضارع في جودته ما يصنع في دمياط و شطا “.
و يقول المسعودي في ” مروج الذهب” ” قبيل القرن الثالث الميلادي لم تكن توجد في هذه المنطقة أية بحيرات فقد كانت أرضا زراعية لم يكن في مصر بأسرها ما يضارعها من استواء و تربة طيبة و بها من الجنات و النخيل و الكروم و الشجر و الزرع مالا يضاهيها. إلا أنه في القرن السادس الميلادي ضرب زلزال كبير المنطقة التي تقع فيها مدينة تنيس و طغى ماء البحر المتوسط على الأراضي الواطئة المحيطة “. و دمرت تنيس بأسرها و ذلك في سنة ٦٢٤ه‍ و لم يتبق منها سوى بعض الاطلال “
و جاء في كتاب ” مناظرات يوحنا كاسيان مع آباء البرية” أن هذه الأرض طغى عليها البحر و صارت خرابا فتحولت إلي مستنقعات مالحة “و يضيف مستطردا: ” في هذه البقاع دمرت مدن كثيرة و هجرها أهلها و تحولت إلي جزائر و صارت مسكنا لراغبي الوحدة و العزلة من النساك القديسين “
و جاء في كتاب ” فتح العرب لمصر ” عن تنيس كانت الأرض التي تغطيها مياه بحيرة المنزلة إلي ما قبل الفتح العربي بقرن واحد لا يضارعها في بلاد مصر كلها ارض أخرى في جودتها و خصبها و غناها. غير أن البحر طغى عليها فاقتحم ما كان يحجزه من كثبان رملية و كانت المياه يزيد طغيانها عاما بعد عام حتى عمت السهل الواطىء كله و لم يبق فوق بعضها الا عدد من الجزر بعد أن اكلت المياه ما كان هناك من حقول و قرى فلم ينج منها إلا ما كان عاليا لا تناله المياه و أعظم ما نجا من قرى تلك الأرض مدينة تنيس.”.
كانت مدينة تنيس من اعجب المدائن و أعظمها شأنا الا أنها كانت جزيرة مكشوفة للغزو من جهة البحر فأمر صلاح الدين الأيوبي بإخلائها سنة ١١٩٢م ثم جاء من بعده الملك الكامل سنة ١٢٢٧م فهدم حصونها و أسوارها حتى تركها أطلالا.
و انتهى دور تنيس في التاريخ في نهاية القرن السادس الهجري الثاني عشر الميلادي و لكن بقى اسمها في كتب التاريخ يحمل ذكريات مدينة كبيرة ، نهضت بدور بارز طوال قرون طويلة و سجلت نشاطا حضاريا يفوق حجمها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock