الدكروري يكتب عن دروس من المقاطعة والبيعة

الدكروري يكتب عن دروس من المقاطعة والبيعة
بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن من الدرس المستفادة من المقاطعة ضد النبي صلى الله عليه وسلم منذ بعثته هو أن أي بلد مسلم يحاول تطبيق شرع الله يجب ان يضع في اعتباره انه سيتعرض للمقاطعة والحصار من أعداء الأمة في الداخل والخارج، وعليه ان يضع في مخططاته كيفية مواجهة هؤلاء والتعامل معهم بحذر وحكمة، وضرورة حشد طاقات الامة بكاملها لكيفية مواجهة الحصار، والصمود والتحدي لكل المخططات الدولية والاقليمية والداخلية التي تؤيد الباطل وتقف معه، وكيفية الخروج من تلك الأزمات وهي أقوى داخليا وخارجيا، فإن أحفاد قريش من الكفار لازالوا يعملون ضد دعوة الاسلام واتباعه المسلمين، وينبغي على قائد الأمة ان يكون على معرفة كاملة بالنظام الدولي وطبيعة الدول وحكامها وشعوبها ومعرفة مدى تحقيق العدالة عندهم.
ومدى استقلال القضاة والقضاء حتى إذا ما احتاج الي الدعم الخارجي في حال أي حصار على دولته يكون لديه المعرفة الكاملة في امكانيات كيفية دفع الحصار ومساندة الدول الاخرى له ولشعبه والخروج من الحصار أقوى عزيمة واعظم قوة، فقد بذلت قريش كثير من المال والجهد لمحاصرة النبي صلى الله عليه وسلم ودعوته والضغط على الاجساد والبطون، وفرضت مقاطعة شرسة وكرست كل حلفاءها معها، وكما برزت عِبر ودُرر من بيعة الرضوان بمنتهى التميز والإجلال، فالمسلمون الذين بايعوا الله سبحانه وتعالى، على الموت في سبيله، قد رسّخوا مفاهيم الإخلاص، وتعاليم الثبات بأصدق مما قد يتخيله المسلم، فكانت موازين عدل ونور للبشرية جمعاء، ومما برز من تلك العبر والدروس هو أنه قد بينت البيعة أعظم مقصود في حياة المؤمن.
بأن تكون حياته خالصة لله تعالى، بجميع الأفعال والأقوال، وقد أظهر أصحاب البيعة أجل معاني البِر، والتضحية، والبذل في سبيل رضا الله عز وجل، وهذا المقصود هو أصل إيمان المؤمن، وتنبني عليه جميع المعادلات الربانية الخالصة لله سبحانه وتعالى، فحياته، ومماته، وعبادته لله رب العالمين، فهو حين يقوم لله بقلبه يكسب العزيمة والثبات في شتى مواقف حياته، فيسمو قلبه لله تعالى، معلنا تماما عن غايته العظمى، تحقيقا لقول الله سبحانه تعالى “قل إن صلاتى ونسكى ومحياي ومماتى لله رب العالمين” وذلك هو ما فعله أهل البيعة رضي الله عنهم أجمعين، إذ قاموا بقلوبهم لله رب العالمين، متناسين الحياة بما فيها من ملذات وشهوات، ولذلك كتب الله لهم الفتح، لصدقهم، وسمى صلح الحديبية بالفتح المبين.
فقال الله تعالى “إنا فتحنا لك فتحا مبينا” فقد كان قرار المسلمين في البيعة أكيدا لا رجعة عنه، واختاروا الموت في سبيل الله، وعلى الرغم من أنهم لا سلاح معهم للقتال إلا سلاح السفر المتواضع، إلا أنهم أحبوا الموت على أن يتراجعوا، فأي قوم يمكن مجابهتهم، وهم الذين أرادوا الموت لا الحياة، فكان حرصهم على الموت كحرص عدوهم على الحياة، وهو إبرام قرار الموت مع أنفسهم، فقد اختار المسلمون الموت ولم يموتوا، فكانت لهم الحياة دون الموت، ووُهبت لهم الحياة من جديد، وبنصرة وتمكين عظيمين.