الدكروري يكتب عن حيزت له بحذافيرها
بقلم / محمـــد الدكـــروري
لقد كان النبي الكريم صلى الله عليه وسلم يعين أهله ويساعدهم في أمورهم ويكون في حاجتهم، وكانت السيدة عائشة رضي الله عنها تغتسل معه صلى الله عليه وسلم من إناءٍ واحد، فيقول لها “دعي لي” وتقول له دع لي ” وكان يُسرب إلى السيدة عائشة رضي الله عنها بنات الأنصار يلعبن معها، وكان إذا هويت شيئا لا محذور فيه تابعها عليه، وكانت إذا شربت من الإناء أخذه، فوضع فمه في موضع فمها وشرب، وكان إذا تعرقت عرقا وهو العظم الذي عليه لحم أخذه فوضع فمه موضع فمها، وكان يتكئ في حجرها، ويقرأ القرآن ورأسه في حجرها، وربما كانت حائضا، وكان يقبلها وهو صائم، وكان من لطفه وحسن خُلقه مع أهله أنه يمكنها من اللعب، فعن الأسود قال سألت السيدة عائشة رضي الله عنها.

ما كان النبي يصنع في بيته؟ قالت “كان يكون في مهنة أهله، فإذا حضرت الصلاة يتوضأ ويخرج إلى الصلاة” وعن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت ” كان يخيط ثوبه، ويخصف نعله، ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم” وعن عائشة رضي الله عنها قالت “خرجت مع رسول الله في بعض أسفاره، وأنا جارية لم أحمل اللحم ولم أبدن، فقال للناس “تقدموا” فتقدموا، ثم قال لي “تعالي حتى أسابقك” فسبقته، فسكت عني حتى إذا حملت اللحم وبدنت خرجت معه في بعض أسفاره، فقال للناس “تقدموا” فتقدموا، ثم قال لي ” تعالي حتى أسابقك” فسبقني، فجعل يضحك وهو يقول “هذه بتلك” بل إنه صلى الله عليه وسلم وضع ركبته لتضع عليها زوجه صفية رضي الله عنها رجلها حتى تركب على بعيرها.
ومن دلائل شدة احترامه وحبه ووفائه لزوجته السيدة خديجة رضي الله عنها، إن كان ليذبح الشاة ثم يهديها إلى خلائلها أي صديقاتها وذلك بعد مماتها وقد أقرت السيدة عائشة رضي الله عنها بأنها كانت تغير من هذا المسلك منه، ويجد النبي صلي الله عليه وسلم من الحنين لوطنه والميل لبلده التي نشأ فيها ونما بها ما يجعله تغرورق عيناه بالدمع ويقول لأصيل الغفاري وقد أخذ يصف مكة بعد الهجرة “لا تشوقنا يا أصيل ودع القلوب تقَرّ” ولو لم يكن للنبي صلي الله عليه وسلم من الفضل إلا أنه الواسطة في حمل هدية السماء إلى الأرض واتصال هذا القرآن الكريم إلى العالم لكان فضلا لا يستقل العالم بشكره ولا تقوم الإنسانية بكفاله ولا يوفي الناس حامله بعض جزائه.
وناهيك بكتاب ضمن للناس إن اتبعوه صلاح الدنيا وسعادة الآخرة وعلاج المشكلات ودواء المعضلات، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، فأي عمل أعظم من هذا؟ وأي أثر أخلد منه؟ وإن العالم كله إذا أجمع على عظمة أفلاطون لفلسفته وجمهوريته، وعلى فضل أرسطو وتبريزه في أخلاقه وقوانينه، وعلى تقدير نابليون لعزيمته وتشريعه، مع تعرض كل هؤلاء للهفوات والنقد المر، ومع أن معظم نظرياتهم خيالية لا تثبت أمام التنفيذ ولا تتفق مع الواقعيات، ومع أنهم جميعا كان لهم من دراساتهم وتقلبهم في معاهد العلم ومدارس الثقافة ما يجعل ذلك ليس غريبا منهم ولا بعيدا عليهم، وإنك لتلقى العظيم ليعظم في قومه ويسود في عشيرته بخصلة واحدة من هذه الخصال فكيف بمن حيزت له بحذافيرها، وبلغت في كل منها نهايتها.
زر الذهاب إلى الأعلى