الدكروري يكتب عن تولي الإمام علي الخلافة

الدكروري يكتب عن تولي الإمام علي الخلافة
بقلم/ محمـــد الدكـــروري
لم يكن الإمام علي بن أبى طالب رضي الله عنه في البداية راغبا في تولي الخلافة، وخاطب الذين رشحوه قائلا “لا تفعلوا فإني أكون وزيرا خير من أن أكون أميرا” عندئذ صعد أهل الأمصار ضغوطهم، فهددوا أهل المدينة بقتل هؤلاء الثلاثة عليّ وطلحة والزبير وناس كثير، مما دفع عليّ بقبول البيعة خوفا من الفتنة، وخشية على الدين والمسلمين من مزيد من التمزق، وهدف إلى وأد الفتنة وإعادة تجميع جسم الأمة المتناثر وترميم النظام القائم للسلطة، وتعزيز التواصل بين القوى الاجتماعية الأكثر اعتدالا والأقل تورطا في قتل عثمان، كانت أول مشكلة اعترضت الخليفة الجديد هي العمال الذين عينهم عثمان على الأمصار، ثم مشكلة المطالبة بأخذ الثأر من قتلة الأخير وكان التغيير الأكثر إلحاحا من وجهة نظر عليّ، هو إعادة النظر في الجهاز الإدارى المسؤول مباشرة.
بوصفه الأداة التنفيذية للخلافة، وذلك من واقع تغيير العمال والموظفين غير أن التصدي لرواسب النظام السابق كان يعني المواجهة مع قوى نافذة بلغت مبلغا كبيرا من القوة، بالإضافة إلى الاصطدام مع عدد من كبار الصحابة الذين وقفوا موقفا سلبيا، لذلك كان من الضروري أن يسبق هذا القرار بالتغيير اتخاذ خطوات تمهد لتنفيذه من أجل تجنب إثارة المعترضين، وهذا ما أشار به عبد الله بن عباس، وهو الإبقاء على عمال عثمان وبالأخص معاوية، ونصحه المغيرة بن شعبة بالتريث في هذا الأمر حتى تهدأ الأوضاع وتستقر، وتتوطد له أسباب الحكم، ثم ينظر ما يكون والراجح أن عليا أدرك ذلك، إلا أن موقف الثائرين في المدينة، والجو العام في الأمصار المشحون بالنقمة كان ضاغطا، بالإضافة إلى ذلك فإن مبدأ التغيير كان يعني الشمولية وعدم التجزئة.
أضف إلى أن الإمام علي رضي الله عنه كان شديدا في الحق لا يستطيع أن “يُراهن في دينه” ولم يكن بوسعه أن يلجأ إلى مهادنة ولاة عثمان بن عفان، والمعروف أن خلع ولاة عثمان كان أحد مطالب الثائرين والمعارضين في الكوفة والبصرة ومصر، لهذا كان إبعاد عمال عثمان عن الوظائف العامة مسألة مبدئية تصعب المساومة عليها، لذلك بادر الإمام علي بن أبى طالب إلى تعيين عماله على الأمصار المختلفة وعزل عمال عثمان بن عفان سنة ستة وثلاثون من الهجرة، وكان أكثر هؤلاء العمال الجدد من الصحابة الذين اتصفوا بأعلى درجات الزهد والتقشف، والتف حول الإمام عليّ بن أبى طالب كبار أعلام بني طالب وبني هاشم، مثل عبد الله بن عباس ومحمد بن جعفر ومحمد بن الحنفية، بالإضافة إلى شخصيات صحابية كبرى مثل محمد بن أبي بكر.
وسليمان بن صرد الخزاعي وأبي قتادة بن ربعي وأبي أيوب الأنصاري وعمار بن ياسر وغيرهم، ولم يصادف الولاة الجدد عقبات تذكر، باستثناء ما كان منتظرا من معاوية بن أبي سفيان والي الشام الذي رفض الدخول في طاعة الإمام علي بن أبى طالب ولم يسمح لسهل بن حنيف أن يدخل الشام ويستلم منصبه كوالى عينه الإمام علي بن أبى طالب، وكان معاوية قد استمال أهل الشام إليه، فالتفوا من حوله، وشكلوا قوة يناصرونه ويأتمرون بأمره، ويوافقونه في عدم الهدوء حتى توقيع الحد على قتلة الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان، وفي المقابل نجح الإمام علي بن أبى طالب في الحصول على تأييد أغلبية المسلمين في الأمصار، فعلى الرغم من أنهم كانوا يستنكرون مقتل عثمان بن عفان لكنهم حاولوا الحفاظ على وحدتهم من خلال الوقوف الحذر وراء الخليفة.