الدكروري يكتب عن القصاص في العدوان العمد
بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن من الموجبات للقصاص علي الإنسان هو القصاص في العدوان العمد، ويقع العدوان العمد في حال توفر عدد من الشروط، ومنها أن يكون الجاني ممن تقع عليه المسؤولية وكامل الأهلية، وألا يكون الجاني على حق كأن تكون الجناية بسبب الدفاع عن النفس أو استعادة المال المسروق، وإنه يثبت القصاص بأحد أمرين، وهو الإقرار من قبل الجاني بارتكاب الجرم، والإقرار هو سيد الأدلة، أو شهادة رجلين عدلين، ولا يثبت القصاص بشهادة الواحد ولا بيمين الطالب، وأما عن شروط القصاص في النفس، فهى عصمة المقتول، فلو قتل المسلم حربيا أو مرتدا أو زانيا محصنا فلا قصاص عليه ولا دية، ولكن يعزر، لافتياته على الحاكم، وكذلك أيضا أن يكون القاتل بالغا عاقلا متعمدا، فلا قصاص على صغير، أومجنون، أومخطئ.
وإنما تجب عليهم الدية، وأن لا يكون المقتول ولدا للقاتل، فلا يُقتل أحد الأبوين وإن علا بالولد وإن سفل ذكرا كان أو أنثى، ويُقتل الولد إن قَتَل أحد أبويه إلا أن يعفو ولي الدم، وإذا اختل شرط من الشروط السابقة سقط القصاص وتعينت الدية المغلظة، وقد اختلف في شرط المكافأة في الدم على ثلاثة أقوال، وهي قول الشافعية في أن المسلم لا يُقتل بالكافر، وقول الأحناف في أن المسلم يُقتل بالكافر، وقول المالكية في أن المسلم يقتل بالكافر إن قُتل الأخير غيلة، وكما اختلف بينهم في مقدار الدية، وإن أساس الحدود في الإسلام أنها ضابط يحفظ التوازن بين حقوق الفرد والجماعة معا، فمن حق الفرد على الجماعة هو تحقيق مصالحه وحفظها، وصيانة حياته ومقوماتها، والعمل على حمايته ليس فقط من غيره.
بل من نفسه كذلك، ويعني أنه لا يجوز لأحد أن يقيم الحد على نفسه، فلو أن شخصا قتل، هل يجوز له أن يقتل نفسه فيكون بذلك قد أقام الحد من نفسه على نفسه؟ فإن الجواب أنه لا يجوز، فلو أنه قتل الغير لكان قاتلا، ولو قتل نفسه لكان كذلك قاتلا، وللمجتمع كذلك الحق في صيانة كيانه من كل اعتداء أو مساس، وفي الحصول على حياة آمنة وادعة تتسم بالطهر والعفاف، وجميع الجرائم التي حرمها الإسلام إنما هي من النوع الذي لو ترك وشأنه لأدى لاضطراب المجتمع وإشاعة الفوضى والقلاقل فيه، فلا بد من رادع يردع من يخرج على هذا القانون الإلهي الذي شرعه المولى عز وجل، فلا يقبل من أحد أن يسرق أموال الغير ويقول أنا حر، ولا يقبل من أحد أن يقول أنا أزني وأنا حر، لأن هذا الفعل إنما هو اعتداء على المجتمع بأسره.
فهذه العقوبات إنما دلت على عدل الله عز وجل وحكمته، لأن بعض الناس يقول ليس من الحكمة ولا من العدل أن تقطع يد السارق، أو يضرب الزاني مائة جلدة، أو يرجم حتى الموت، إن هذه وحشية أتى بها الإسلام، وهذه فضلا عن أنها قولة كفر إلا أن الواحد منهم لو أنه رأى واحدا فوق امرأته، أو سرق ماله لقتله على الفور، وربما قتل كل من ظن أنه قد سرق دون أن يتحقق من السارق، فلماذا في هذا الموقف ليس عمله وحشيا، والذي أتى به الإسلام هو الوحشي، والله عز وجل يقول فى سورة البقرة ” ولكم فى القصاص حياة يا أولى الألباب لعلكم تتقون ” ولكم في القصاص مع أنه الموت، فقد أثبت الله عز وجل أن فيه الحياة كل الحياة، لأن أحدا لو قتل أباك فأنت لا تقنع قط إلا أن تقتل من أسرة القاتل مائة شخص، أنت لا تقنع إلا بإبادة الأسرة وأصحاب القبيلة كلها، ولكن الله عز وجل لم يجعل ذلك لك، بينما جعله للحاكم بأن يأخذ القاتل أو القاتلة فقط فيقتله في مقابل قتله لوالدك.
زر الذهاب إلى الأعلى