الدكروري يكتب عن أهل الجنة هم أصحاب القلوب السليمة
بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن القلب هو العضو الذي سينظر إليه الله سبحانه وتعالي يوم القيامة فهو محل نظر الله عز وجل، فهل طهرته من خوف ما سوى الله؟ وهل جردته من كل محبة سوى محبة الله والحب في الله؟ وهل طهرته من أمراض الحقد والحسد والغل لإخوانك المسلمين؟ فأصحاب الجنة هم أصحاب القلوب السليمة، الهينون اللينون، وقد أتاكم من مقال نبيكم صلى الله عليه وسلم قوله “يدخل الجنة أناس أفئدتهم كأفئدة الطير” وقال يزيد بن أسلم قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم “أتحب الجنة؟ قلت نعم، قال “فأحب لأخيك ما تحب لنفسك” فكونوا من أهل الإيمان الصادقين، الذين سلمت قلوبهم لله، وسلمت قلوبهم لإخوانهم المؤمنين، فيحبون لهم ما يحبون لأنفسهم، ويظنون بهم الخير، ولا يظنون بهم السوء، فكونوا من أهل القلوب السليمة، قابلوا الإساءة بالإحسان.
والخطيئة بالغفران، والغلظة بالرفق، والجهل بالحلم، والعبوس بالابتسامة، وليس ذلك ضعفا كما يظنه الجهال المتكبرون، وليس ذلك نفاقا أو كذبا كما يزين الشيطان للمغرورين والمفتونين، وإنما هي منزلة عظيمة لا يقوى عليها إلا الأفذاذ والصابرون من الرجال أصحاب النفوس العالية الصابرة، الذين أراد الله بهم سعادة الدارين، ولا يخدعنكم الشيطان الذي يكره الخير للمسلمين، ويصور لهم العفو ضعفا، وحسن المعاملة ومقابلة الإساءة بالإحسان نفاقا وعجزا ليغري المسلمين ببعضهم بعضا، فالنبهاء من عباد الله من فوّتوا عليه غرض “إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون، ولكن في التحريش بينهم” فانتبهوا وأصلحوا قلوبكم، فصلاح القلب هو أول عمل تستعدون به لمفارقة هذه الدار، دار الهموم والغموم والأسقام.
وغدا ترحلون منها إلى دار بقاء بلا زوال، ودار نعيم بلا هوان، ووالله لو صلحت القلوب لصلحت الأقوال والأعمال “ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب” وإن الإنسان سيقف أمام الديان الواحد القهار، وسيسأل عن القليل والكثير، وعن الصغير والكبير، وعن العمر فيما أفناه؟ وعن الشباب كيف قضاه؟ وعن المال من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟ فلا تظن يا ابن آدم أن الحساب سيكون يسيرا، بل إنه حساب بالذرة، وستسأل عن كل صغيرة وكبيرة، فمنهم من يحاسب حسابا يسيرا، وينقلب إلى أهله مسرورا، ومنهم من يحاسب حسابا عسيرا، ويدعو ثبورا، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إن الله يدني المؤمن فيضع عليه كنفه، أي ستره فيقول أتعرف ذنب كذا؟
أتعرف ذنب كذا؟ فيقول نعم أي رب، حتى إذا قرره بذنوبه ورأى العبد في نفسه أنه قد هلك، قال الله عز وجل سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم، فيعطى كتاب حسناته، فانظر يا ابن آدم إلي حالك بعد الموت، وكيف تكون الليلة الأولى في القبر؟ يوم توضع فريدا وحيدا مملقا إلا من العمل، لا زوجةَ ولا أطفال ولا أنيس، حيث يقول الله عز وجل في سورة الأنعام ” ثم ردوا إلى اللهِ مولاهم الحق ألا لهُ الحكمُ وهو أسرع الحاسبين” واعلم ان أول ليلة في القبر بكي منها العلماء، وشكا منها الحكماء، ورثى منها الشعراء، وصنفت فيها المصنفات، فاعلم أن الدقيقة التي تمر من حياتك يتمنى مثلها ملايين الموتى ليستثمروها في طاعة الله، ليحدثوا لله فيها توبة، ليذكروا الله فيها ولو مرة، ولكن لا تحقق أمانيهم.
زر الذهاب إلى الأعلى