دين ودنيا

الدكروري يكتب عن التضحية بالمال في سبيل الله

الدكروري يكتب عن التضحية بالمال في سبيل الله

بقلم / محمـــد الدكـــروري

لقد ضحت الصحابة بكل غالي ونفيس من أجل هذا الدين فتركوا الأوطان وفارقوا الديار، وضحوا بالاموال وكل ذلك في سبيل الله عز وجل وإعلاء قول لا غله إلا الله محمد رسول الله، فهذا هو الصحابي الجليل صهيب الرومي رضي الله عنه لما وقر في قلبه الإسلام وجعلت قريش تضايقه كما تفعل مع بقية المسلمين، حتى إذا كانت في يوم من الأيام بعدما هاجر أكثر المسلمين إلى المدينة جمع عليه متاعه وأخذ معه سيفه ورمحه وسهامه ثم مضى ليهاجر كما هاجر المسلمون ثم تبعه نفر من قريش قالوا له أتيتنا صعلوكا لا مال لك ثم تخرج الآن من بيننا، والله لا تخرج من بيننا، فصعد على جبل ونثر سهامه بين يديه وقال يا قريش والله لقد علمتم أني أصوبكم رميا والله لا تصلوا إليّ حتى أقتل منك بعدد هذه السهام، فتحيروا وهم ينظرون إليه فلما طال بهم المقام.

وطال بهم الانتظار وهو لا يستطيع النزول وهم لا يجاوزن مكانهم، قال لهم صهيب ألا أدلكم على شيء خير من أن تمسكوني عندكم؟ قالوا ما هو؟ قال أدلكم على موضع مالي في مكة فتذهبون إليه فتحوزونه إليكم كله ولا تدعون لي منه شيئا، فيضحي بماله في سبيل أن يمكنوه من الهجرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا له افعل ذلك، قال لهم اذهبوا إلى موضع كذا تجدوا لي فيه مالا، واذهبوا إلى فلان فإني قد وضعت عنده مالا، واذهبوا إلى فلان فإن لي عنده ثياب، واذهبوا إلى فلان فإني، وجعل يدلهم على مواضع ماله حتى إذا وثقوا منه جمع سهامه ونزل وأقبل إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم وقد نبأه خبر السماء بقصة صهيب، قبل أن يصل إلى المدينة قال عليه الصلاة والسلام “ربح البيع أبا يحيى، ربح البيع أبا يحيى، ربح البيع أبا يحيى”

وجعل عليه الصلاة والسلام يكررها حتى وقف صهيب بين يديه بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم، فإن هؤلاء الذين استطاعوا أن يضحوا، وأن يبذلوا، وأن يجعلوا راية الإسلام هي أهم عنده من أنفسهم، وأهم عليهم من أموالهم، وأهم عليهم من بيوتهم، وأهم عليهم من أولادهم، وأهم عليهم من عزهم وشرفهم، وهم الذين قام عليهم الدين، وهم السلم الذي رفعت عليه راية الله عز وجل حتى سار للدين مكانا وحتى فتحت بسببهم بلدان، أما الذين لم يضحوا ولم يستطيعوا أن يخرجوا أنفسهم من وحل الدنيا فإنهم يتردون في نار جهنم لأنهم أثاروا الحياة الدنيا، واستحبوها على الآخرة، فقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل كتابا مع دحية بن خليفة الكلبي رضي الله تعالى عنه فقرأ الكتاب ثم جمع إليه من كان من أهل مكة تجارا في دمشق في الشام فجيء بهم إليه.

فسألهم عن النبي عليه الصلاة والسلام أسئلة حتى استقر في قلبه أن النبي صلى الله عليه وسلم هو رسول حقا، وأنه الذي بشرت به من قبل الأنبياء، وأنه الذي أمرهم موسى باتباعه وأمرهم عيسى باتباعه، وأنه النبي الذي كان ينتظره أهل الكتاب، فقد أيقن هرقل ذلك بقلبه إيقانا تاما وقرأ عليه كتاب رسول الله عليه الصلاة والسلام وإذا به “من محمد بن عبدالله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم السلام على من اتبع الهدى أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيّين يعني عليك إثم قومك، فيقول الله تعالى فى سورة آل عمران ” قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا أشهدوا بأنا مسلمون”

فقرئ عليه الكتاب وأيقن في داخله يقينا تاما لا شك فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم على حق، لكن هل عنده استعداد أن يضحّي بملكه؟ هل عنده استعداد أن يضحّي بقصره؟ هل عنده استعداد أن يضحي بماله؟ وهل عنده استعداد ربما يضحي بنفسه لو قتله قومه؟ وإذا بهرقل يوازن بين هذا وبين الإسلام فتميل نفسه إلى ما هو فيه من عز ويلتفت إلى أبو سفيان وكان أبو سفيان من التجار المكيين الذين جيء بهم إليه ليسألهم، فقال “والله كنت أعلم أنه خارج” أن هذا النبي سيخرج بالناس في الأمة كما بشر به الأنبياء من قبل “كنت أعلم أنه خارج ولم أكن أعلم أنه منكم، ووالله لو كنت أعلم أني أخلص إليه لغسلت عن قدميه بالماء فجئت إليه ذليلا منكسرا” ثم أخرجهم من بين يديه ولم يؤمن برسول الله عليه الصلاة والسلام، فلم يستطع أن يضحي بملكه وبأمواله بل ولا في نفسه في سبيل الدين، ومات كافرا عياذا بالله.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock