بقلم دكتور محمد رجب مدير إدارة الفتوي بوزارة الأوقاف
عن أنس رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: ((اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ العَجْزِ، وَالكَسَلِ، وَالجُبْنِ، والهَرَمِ، والبُخْلِ، وأعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وأعوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ المَحْيَا وَالمَمَاتِ)).
وفي رواية: ((وَضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ)). رواه مسلم.
هذا الحديث يعد من جوامع الكلم، وهي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يأتي بالمعاني الجامعة في كلمات يسيرة؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- استعاذ فيه من جملة آفات وشرور تعوق حركة سير العبد إلى الله، فتعوذ النبي -صلى الله صلى الله عليه وسلم- من: “العجز والكسل”: وهما قرينان من معوقات الحركة؛ وعدم الفعل.
وأما مفهوم هذه الأدعية والمراد بها، فقال صاحب عون المعبود: (اللهم إني أعوذ بك من الفقر) أي من قلب حريص على جمع المال أو من الذي يفضي بصاحبه إلى كفران النعمة في المال ونسيان ذكر المنعم المتعال، وقال الطيبي: أراد فقر النفس أعني الشره الذي يقابل غنى النفس الذي هو قناعتها. (والقلة): القلة في أبواب البر وخصال الخير، لأنه عليه الصلاة والسلام كان يؤثر الإقلال في الدنيا ويكره الاستكثار من الأعراض الفانية. (والذلة) أي من أن أكون ذليلاً في أعين الناس بحيث يستخفونه ويحقرون شأنه، والأظهر أن المراد بها الذلة الحاصلة من المعصية أو التذلل للأغنياء على وجه المسكنة، والمراد بهذه الأدعية تعليم الأمة.
وفي شرح النووي على مسلم: وأما (العجز) فعدم القدرة عليه، وقيل: هو ترك ما يجب فعله، والتسويف به وكلاهما تستحب الاستعاذة منه.
أما استعاذته صلى الله عليه وسلم من الهرم، فالمراد به الاستعاذة من الرد إلى أرذل العمر كما جاء في الرواية التي بعدها، وسبب ذلك ما فيه من الخرف، واختلال العقل والحواس والضبط والفهم، وتشويه بعض المناظر، والعجز عن كثير من الطاعات، والتساهل في بعضها.
والعجز: عدم القدرة على الخير. والكسل: التثاقل عنه. والجبن: الخوف، وضعف القلب، وهو ضد الشجاعة.
والهرم: الكِبَر والضعف في العقل. والبخل: ضد السخاء.
قوله: ((وأعوذ بك من عذاب القبر))، أي: العذاب الكائن فيه.
وفي الحديث: ((القبر روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار، فإن حسن فما بعده أحسن، وإن قبح فما بعده أقبح)).
قوله: ((وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات))، أي: الحياة والموت.
((وَضَلَعِ الدَّيْنِ))، أي: ثقله وشدته.
قال بعض السلف: ما دخل همُّ الدين قلبًا إلا ذهب من العقل ما لا يعود إليه.
وقوله: ((وغلبة الرجال)). فيه: إشارة إلى التعوذ من أن يكون مظلومًا أو ظالمًا
زر الذهاب إلى الأعلى