الدكروري يكتب عن رأي الشرع في بيع الزروع
بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن من أحكام البيع والتجارة في الثمار والزروع هو أن ما لا تتميز بطونه كالفلفل والبسلة والخيار فيجوز بيعه بأصوله إلى أن تنتهي الثمرة، للحاجة الداعية إلى ذلك، ومشقة بيعه لقطة لقطة، وخاصة إذا كانت المساحة المزروعة كبيرة، وإذا باع حائطا واستثنى منه صاعا، لم يجز، وإن استثنى منه نخلة أو شجرة بعينها جاز لأنه استثنى معلوما أشبه ما إذا استثنى منها جزءا، فعن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الثنبا إلا أن تعلم” وإذا
اشترى الثمرة دون الأصل فتلفت أو أفسدت بجائحة من السماء، رجع بها على البائع لأن ما تهلكه الجائحة من الثمار من ضمان البائع، وبهذا قال أكثر أهل المدينة، منهم يحيى بن سعيد بن الأنصاري ومالك وأبو عبيد، وجماعة من أهل الحديث، وبه قال الشافعي في القديم، فعن أبي الزبير.
أنه سمع جابر بن عبدالله، يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لو بعت من أخيك ثمرا، فأصابته جائحة، فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئا، بما تأخذ مال أخيك بغير حق؟ رواه مسلم، والجائحة هي كل آفة لا صُنع للآدمي فيها كالريح والبرد والجراد والعطش، وأما ما كان بفعل آدمي، فالمشتري بالخيار بين فسخ العقد ومطالبة البائع بالثمن، وبين البقاء عليه ومطالبة الجاني بالقيمة لأنه أمكن الرجوع ببدله، بخلاف التالف بالجائحة، وإن اشتراه وفرّط في حصاده حتى تلف، فمن ضمانه هو، ويستحق البائع الثمن كله، وعن عبادة بن الصامت، قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبُرّ بالبُرّ، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلا بمثل، سواء بسواء، يدا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف، فبِيعوا كيف شئتم، إذا كان يدا بيد” رواه مسلم.
فكل طعام يكال أو يوزن كالقمح والأرز والذرة يخضع في بيعه وشرائه لمجموعة من الضوابط، طبقا لهذا الحديث، فمن خالفها وقع في الربا، وهذه الضوابط هي إذا بيع هذا الصنف الربوي بجنسه كقمح بقمح يشترط فيه شرطان التقابض في نفس المجلس، والتماثل في الوزن أو الكيل، حتى لو اختلفت جودته وقيمته، ولا يجوز لأحدهما أخذ أي فروق، سواء مادية أو خدمية مقابل هذا الفرق، ولمعالجة هذه القضية ومراعاة هذه الفروق في الأسعار بين الجيد وغيره، فإنه يبيع الرديء بالمال ويقبضه في يده، ثم يشتري بالمال النوع الجيد الذي يريد كالقمح الأبيض والقمح الأسود، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال جاء بلال إلى النبي صلى الله عليه وسلم بتمر برني، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم “من أين هذا؟ قال بلال كان عندنا تمر ردي.
فبعت منه صاعين بصاع لنطعم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك “أوّه أوّه، عين الربا عين الربا، لا تفعل، ولكن إذا أردت أن تشتري، فبع التمر ببيع آخر، ثم اشتره” رواه البخاري ومسلم، وأيضا إذا بيع هذا الربوي بما اتفق معه في العلة، واختلف في الجنس كقمح بأرز، أو أرز بذرة شرط فيه شرط واحد فقط، وهو التقابض في نفس المجلس، وعن عبادة بن الصامت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “فإذا اختلفت هذه الأصناف، فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد” كما إذا باعه أو اشتراه بالنقود، لا يشترط فيه أي شروط، إلا شروط صحة البيع الرضا، والرشد، والقدرة على التسليم، ومعرفة الثمن والمثمّن، فمن اشترى أرزّا بالنقود أو قمحا بالنقود، جاز له شراؤه نقدا أو قسطا، وعن السيدة عائشة رضي الله عنها.
أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى طعاما من يهودي إلى أجل، وإن اشتراه بالقسط فعليه أن يراعي شروط صحته من الاتفاق على السعر في مجلس العقد، وكيفية السداد، وإن اشتراه بالقسط فعليه أن يراعي شروط صحته من الاتفاق على السعر في مجلس العقد، وكيفية السداد، ولا يحل له زيادة القسط عليه إن تأخر في السداد فهذا شرط ربوي، وينهيان العقد قبل أن يتفرقا.
زر الذهاب إلى الأعلى