الدكروري يكتب عن الرماة في أحد
بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن الوفاء بالوعد أو العهد أدب رباني، وخلق كريم، وسلوك إسلامي نبيل، والوفاء بالعهد هو قيام المسلم بما التزم به سواء كان قولا أم كتابة، فإذا أبرم المسلم عقدا فيجب أن يحترمه، وإذا أعطى عهدا فيجب أن يلتزم به، فالعهد لا بد من الوفاء به، ومناط الوفاء أن يتعلق الأمر بخير أو معروف، وإلا فلا وفاء بعهد في عصيان، وإن من رحمة الله تعالى بعباده المؤمنين أن يجعل المحن والابتلاءات فرصة لمراجعة أنفسهم، وتصحيح أخطائهم، وتجديد العهد مع ربهم فما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة، ولقد كانت معصية الرماة سببا للهزيمة في أحد إذ أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بعدم مبارحة أماكنهم مهما كان الأمر، فتركوا مواقعهم، ورأوا أن النصر تحقق، واشتغلوا بجمع الغنائم فجاءهم عدوهم من حيث لم يحتسبوا، وانقلب ميزان المعركة.
وتحول النصر إلى هزيمة ليعلم المسلمون خطورة المعصية، وخطورة الأثرة بالرأي والفعل، وعزا الله تعالى هذه المصيبة التي أصابتهم إلى أنفسهم لأنها كانت بسبب ما كسبوا من العصيان الذي هو أكبر سبب للهزيمة في المعارك، وكان سبحانه وتعالى كان قادرا على نصرهم، بدليل إنزاله الملائكة معهم للقتال، وبدليل نصرهم على المشركين في بدر، ولكن طائفة منهم هي طائفة الرماة رضي الله عنهم غيروا وبدلوا، وعصوا أميرهم الذي ثبت في نفر قليل، وكان ينهاهم عن ترك مواقعهم، فزال بمعصية الرماة سبب من أسباب تنزل نصر الله تعالى وهو الطاعة، وحلت محله المعصية، فتخلف النصر، وأحجم الملائكة عن القتال مع المؤمنين بسبب هذه المعصية، فكانت الهزيمة، فإذا كان النصر قد تخلف في غزوة أحد بسبب معصية واحدة.
فهل يستحق المسلمون النصر على أعدائهم، وتأييد الله تعالى لهم وفيهم من العُصاة ألوف بل ملايين، وفيهم من أنواع المعاصي والموبقات ما لا يعلمه إلا الله تعالى؟ معاصى في البيوت والأسواق، معاصى في الرجال والنساء، معاصى في الشيب والشباب، وإن الله تعالى ليس بينه وبين أحد من خلقه نسب، ولن يحابي أحدا من خلقه مهما عظمت منزلته، فعدله وهو العدل تبارك وتعالى يأبى ذلك، وقد جعل في الكون سننا لا تحابي أحدا من الناس، وقوانين لا تجامل كائنا من كان، ومن هذه السنن أن المستحق لنصر الله تعالى هو من يقيم دينه، وينصر شريعته، ويلتزم طاعته ويباعد عن معصيته، فمن حقق ذلك نصره الله تعالى سواء كان شريفا أم وضيعا، قريبا كان أم بعيدا، وسواء كان جيشه كثيرا أم قليلا، بدأت غزوة أحد حين خرجت قريش وعلى رأسها أبو سفيان.
تريد الهجوم على المدينة، والثأر لما نالها من هزيمة فادحة في غزوة بدر، وبلغ من حنق قريش وطغيانها أنها أوقفت على تكاليف غزوة أحد جميع دخل قافلة أبي سفيان التي فر بها قبل معركة بدر، حيث ظلت تلك القافلة واقفة عند دار الندوة بمكة، انتظارًا لما يُسفر عنه رأي قادة قريش، وقد اتفق أولئك القادة على أن تباع العير وما تحمله، ويخصص الربح كله لتجهيز جيش لقتال المسلمين في المدينة، والانتقام لما نالته قريش من هزيمة بدر، وقد أشار ابن هشام في سيرة النبي إلى ذلك قائلا إن نفرا من رجال قريش ممن أصيب آباؤهم وإخوانهم يوم بدر، كلموا أبا سفيان بن حرب ومن كانت له في تلك العير من قريش أن محمد قد وتركم، وقتل خياركم، فأعينونا بهذا المال على حربه، فلعلنا ندرك منه ثأرنا بما أصاب منا، ففعلوا.
زر الذهاب إلى الأعلى