دين ودنيا

الدكروري يكتب عن أهل الديار الموحشة

الدكروري يكتب عن أهل الديار الموحشة
بقلم / محمـــد الدكـــروري

لقد مرالإمام على بن أبى طالب رضى الله عنه على القبور ذات يوم، فقال السلام عليكم أهل الديار الموحشة والمحال المقفرة، أنتم لنا سلف ونحن لكم تبع، وإن شاء الله بكم عما قليل لاحقون، يا أهل القبور أما الأموال فقد قسمت، وأما الديار فقد سُكنت

وأما الأزواج فقد نُكحت، هذا خبر ما عندنا فما خبر ما عندكم؟ ثم التفت إلى أصحابه وقال أما إنهم لو تكلموا لقالوا، وجدنا أن خير الزاد التقوى، وما وعظ المرء نفسه بأعظم من ذكر الموت، فقال الحسن البصري “فضح الموت الدنيا لم يترك لذي لب فرحا ” وقال مطرف بن عبد الله ” إن الموت قد أفسد على أهل النعيم نعيمهم فاطلبوا نعيما لا موت فيه” فيجب علينا أن نتفكر في القبر وساكنه، فإنك لو رأيت الميت في قبره بعد ثلاث لاستوحشت منه بعد طول الأنس به، ولرأيت بيتا تجول فيه الهوام.

ويجري فيه الصديد، وتخترقه الديدان، مع تغير الريح وتقطع الأكفان، وكان ذلك بعد حسن الهيئة، وطيب الريح، ونقاء الثوب، والقبر ينادي ألا تسألني ما صنعت بالأحبة؟ خرقت الأكفان ومزقت الأبدان ومصصت الدم وأكلت اللحم، ألا تسألني ما صنعت بالأوصال ؟ نزعت الكفين من الذراعين، والذراعين من العضدين، والعضدين من الكتفين، والوركين من الفخذين، والفخذين من الركبتين، والساقين من القدمين، وقد بكى عمر بن عبد العزيز، ذات يوم وقال ” ألا إن الدنيا بقاؤها قليل، وعزيزها ذليل، وغنيها فقير، شبابها يهرم، وحيها يموت فلا يغرنكم إقبالها مع معرفتكم بسرعة إدبارها ” وقال الحسن ” ابن آدم إنك تموت وحدك وتبعث وحدك وتحاسب وحدك، يا ابن آدم لو أن الناس كلهم أطاعوا الله وعصيت أنت لم تنفعك طاعتهم ولو عصوا الله تعالي.

وأطعت أنت لم تضرك معصيتهم، يا ابن آدم ذنبك، ذنبك، فإنما هو لحمك ودمك، فإن سلمت من ذنبك، سلم لك لحمك ودمك، وإن تكن الأخرى؛ فإنما هي نار لا تطفأ وجسم لا يبلى ونفس لا تموت ” فحري بالعبد حين يوقن أنه راحل عن هذه الدنيا أن يستعد لرحيله ويتزود من الزاد الذي يبلغه إلى حيث النجاة والسلامة، وقد نصحنا نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وأخلص في النصيحة، لمعرفته بما ينتظرنا من أهوال، وقال عبد الله بن عمر رضى الله عنهما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي وقال ” كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل” وكان ابن عمر رضى الله عنهما يقول” إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك” ومن تأمل أحوال الماضين.

وكلامهم حين منازعة الروح في حال الاحتضار، كان ذلك أعظم واعظ ل، فقد بلغوا الوصية بأصدق لهجة ووصفوا حالهم بأتم بيان وأجزله، لمّا عاينوا الحقيقة، وقيل أنه لما حضرت معاوية بن أبى سفيان الوفاة، قال أقعدوني، فأقعدوه، فجعل يسبح الله تعالى ويذكره، ثم بكى وقال تذكر ربك يا معاوية بعد الهرم والانحطاط؟ ألا كان هذا وغض الشباب نضر ريان؟ وبكى حتى علا بكاؤه وقال يا رب ارحم الشيخ العاصي، ذا القلب القاسي، اللهم أَقِل العثرة، واغفر الزلة، وجد بحلمك على من لا يرجو غيرك، ولا يثق بأحد سواك، وقال عبد الملك بن مروان في مرض موته ” ارفعوني فرفعوه حتى شم الهواء وقال يا دنيا ما أطيبك إن طويلك لقصير وإن كثيرك لحقير، وإن كنا بك لفي غرور، فقيل له كيف تجدك؟ قال أجدني كما قال الله تعالى ” ولقد جئتمونا فُرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم”

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock