مقالات

الدكروري يكتب عن التاريخ والحضارة والتراث

بقلم / محمـــد الدكـــروري

إن يجب علينا أن نجعل هذا الواجب من حب الوطن والتضحية في سبيلة في سلم أولوياتنها، ولا يلزم أن نتخذ نفس الوسائل التي اتبعها أسلافنا رحمهم الله تعالى، بل الأمة مطالبة باتخاذ كل الوسائل الممكنة المنضبطة بالشرع من أجل تأدية هذا الواجب، ولا شك أن الأمر جلل وليس هينا، فعلينا على الأقل أن نقدم بين يدي الله الحجة والبرهان يوم القيامة على أننا قمنا بواجبنا، وبلغنا هذا الدين إلى الأمم جميعا، وإن حب الوطن والإنتماء له حركاتنا تدل عليه، حروفنا وكلماتنا تنساب إليه، أصواتنا تنطق به، آمالنا تتجه إليه، طموحاتنا ترتبط به، لأجل أرض وأوطان راقت الدماء، لأجل أرض وأوطان تشردت أمم، لأجل أرض وأوطان تحملت الشعوب ألوانا من العذاب، لأجل أن نكون منها وبها ولها، وإليها مطالبون أينما كنا أن نحافظ عليها، فحب الوطن والتضحية من أجله.

هو واقع يستحق أن نعمل بحب وتفان من أجل المحافظة عليه لأنه أثمن ما في وجودنا وانتمائنا، فالوطن هو التاريخ والحضارة والتراث، وهو الذي سكن جسدنا وروحنا وذاكرتنا، ومن أجله وخاصة في هذه الفترة العصيبة نحتاج إلى العمل من دون مقابل، لأن الوطن فوق كل شيء، وإن حب الوطن هو فطره ربانيه فى الإنسان وإن هذه سنة الله في المخلوقات فقد جعلها الله في فطرة الإنسان، وإلا فما الذي يجعل الإنسان الذي يعيش في المناطق شديدة الحرارة، والتي قد تصل إلى ستين درجة فوق الصفر، وذلك الذي يعيش في القطب المتجمد الشمالي تحت البرد القارص، أو ذلك الذي يعيش في الغابات والأدغال يعاني من مخاطر الحياة كل يوم، ما الذي جعلهم يتحملون كل ذلك إلا حبهم لوطنهم وديارهم؟ لذلك كان من حق الوطن علينا أن نحبه.

وهذا ما أعلنه النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وهو يترك مكة تركا مؤقتا، فعن عبد الله بن عدي أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واقف على راحلته بالحزورة من مكه يقول ” والله إنك لخير أرض الله إلى الله وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أنى أخرجت منك ما خرجت ” رواه الترمذى، فما أروعها من كلمات، كلمات قالها الحبيب صلى الله عليه وسلم وهو يودع وطنه، إنها تكشف عن حب عميق، وانتماء صادق، وتعلق كبير بالوطن، بمكة المكرمة، بحلها وحرمها، بجبالها ووديانها، برملها وصخورها، بمائها وهوائها، هواؤها عليل ولو كان محملا بالغبار، وماؤها زلال ولو خالطه الأكدار، وتربتها دواء ولو كانت قفارا، فإنها الأرض التي ولد فيها، ونشأ فيها، وشبّ فيها، وتزوج فيها، فيها ذكريات لا تنسى، فالوطن ذاكرة الإنسان.

فيها الأحباب والأصحاب، فيها الآباء والأجداد، وقد قال الغزالي ” والبشر يألفون أرضهم على ما بها، ولو كانت قفرا مستوحشا، وحب الوطن غريزة متأصلة في النفوس، تجعل الإنسان يستريح إلى البقاء فيه، ويحن إليه إذا غاب عنه، ويدافع عنه إذا هُوجم، ويغضب له إذا انتقص” وإذا أردنا في واقع الأمر أن نعقد مقارنة بين حال السلف وبين غيرهم، فإننا نجد فرقا شاسعا بين فهم الصدر الأول لطبيعة الرسالة وخصائص الخطاب، وبين فهم مَن جاء بعدهم، وحين نطوي فترات الزمن لنصل إلى عصرنا هذا يبدو لنا واضحا ضعف هذا الخطاب، وعجزه عن الإقناع والتفسير، وإثارة الاهتمام.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock