-أخبار الشرق الاوسط

كلمة دكتور محمد ابو حموربمؤتمر التسامح والسلام والتنمية المستدامة في الوطن العربي

  

متابعة :-ابراهيم سالم المغربى 

(جامعة الدول العربية بالتعاون مع المجلس العالمي للتسامح والسلام)

مصر – القاهرة 17/18 أكتوبر 2022

التسامح واستدامة التنمية على المستويين الإقليمي والعالمي

كلمة: د.محمد أبو حمّور

الأمين العام لمنتدى الفكر العربي؛ وزير المالية ووزير الصناعة والتجارة الأسبق

عمّان – المملكة الأردنية الهاشمية

(نقاط للحديث)

ما تزالُ تُعاني منطقتُنا العربيةُ من عددٍ من التحدياتِ وأهمُّها وجودُ تياراتٍ عصبيَّةٍ مُتشددةٍ، تَدَّعي احتكارَ الحقيقةِ، وتُمارسُ وِصايَتَها على الناسِ، وتسعى لإلغاءِ وإقصاءِ مَن خالفَها، وتنطلقُ توجُّهاتُها هذه من سوءِ فهمٍ للدِّينِ، أو سوءِ استغلالِه من أجلِ الهيمنةِ على الآخَرينَ، ونشرِ الإرهابِ والدمارِ والأفكارِ التعصبيةِ، وقد أخَّرتْ هذه التوجُّهاتِ مسيرةَ التنميةِ في مجتمعاتِنا، وكرّستْ حالةً من التخلُّفِ والإحباطِ خصوصاً فيما يتعلقُ بقيامِ اتجاهاتٍ جديدةٍ، ومخالفةٍ أيَّ تطويرٍ، والتشكيكِ في أيِّ انفتاحٍ على معطياتِ العِلمِ وتجاربِ الحياة.

في تقريرٍ لـ BBC أوضحَ أنَّ مجموعَ سكانِ الشرقِ الأوسطِ يُشكِّلُ 5% من مجموعِ سكانِ العالَم، وأنَّه يُسجلُ نسبةَ 45% من النَّشاطِ الإرهابيِّ، ويتكدَّسُ به 45% من العددِ الإجماليِّ لِلاجئينَ، وبيَّنَ التقريرُ أنَّ نسبةَ 68% من وفياتِ العالمِ العربيِّ ترتبطُ بالصِّراعاتِ والحروبِ الأهليةِ والاقليميةِ، وأنَّ الدولَ العربيةَ شِبهُ عاجزةٍ عن تلبيةِ مطالبِ سكّانِها من فئةِ الشبابِ والذي يتجاوزُ عددُهُم 100 مليونِ نسمةٍ، ويُهدِّدهُم الفقرُ والبطالةُ والتهميشُ ويدفعُ بهم إلى أحضانِ الفكرِ المُتشدِّدِ.

إنَّ غيابَ مفاهيمِ التسامحِ والسلامِ والمواطنةِ الصحيحةِ يُعدُّ عاملاً أساسياً في ما تمرُّ به بعضُ الدولِ من حروبٍ وأزماتٍ اقتصاديةٍ واجتماعيةٍ وتدهورٍ ثقافيٍّ وعلميٍّ، وأنَّ هذا كلَّه يتمُّ وفقَ أجنداتٍ من خارجِ المنطقةِ تركِّزُ على إثارةِ النعراتِ الطائفيةِ والقبليةِ وتحريضِ الأقلياتِ العرقيَّة.

إنَّ التصدِّي للتَّحدياتِ التي تواجِهُ المجتمعاتِ والأمةَ العربيةَ وتؤدِّي إلى تجزئتِها وتفكُّكِها، يكونُ من خلالِ اعتمادِ مبادئِ التسامحِ والسلامِ أولاً، والعملِ على تعزيزِ مفهومِ المواطنةِ القابلةِ للتنوُّعِ والتعدديةِ في إطارِ الوحدةِ الوطنيةِ في كلِّ بلدٍ عربيٍّ، وفي فضاءِ العروبةِ الحضاريةِ الجامعةِ، والتزامِ مسارِ حمايةِ الدولةِ الوطنيةِ بكلِّ مكوناتِها وهيكليتِها الإداريةِ بِوَصفِها حافظةً للنظامِ العامِّ، والاستقرارِ، والسِّلمِ الأهليّ.

وينبغي على الدولِ في المنطقةِ العربيةِ بمؤسساتِها كافَّةً صياغةُ خطابٍ فكريٍّ يُحددُ موجِباتِ الالتزامِ الوطنيِّ، ويؤكدُ قيمةَ المواطنةِ والانتماءِ في حياةِ الشعوبِ والأممِ، وتعزيزِ العملِ من قِبَلِ النُّخبِ والمفكرينَ لتحقيقِ الأمنِ الثقافيِّ الذي يصنعُ فضاءً يحققُ معه المواطنُ أُسسَ الانتماءِ الوطنيِّ، وتوجيهِ الاستثماراتِ الوطنيةِ للتربيةِ على أُسسِ التسامحِ والسلامِ وذلك من خلالِ مراجعةِ النَّصِّ الدينيِّ والإيمانِ بلا تَعصُّبٍ، والوقوفِ على مخاطرِ أطماعِ الأعداءِ ومؤامراتِهِم ونشرِها أمامَ أجيالِ الأمةِ وتقويتِهِم بأفكارٍ وآراءَ تتناسبُ مع المراجِعِ الدينيةِ.

ويُمكِنُها كذلكَ أنْ تؤدِّي دوراً‭ ‬جامعاً‭ ‬في‭ ‬تأمينِ الحقِّ في‭ ‬التعليمِ المتوازنِ والقائمِ على أساسِ قبولِ التنوّعِ والتعدديةِ ومبادئِ التسامحِ والسلامِ‭،‭ ‬وهو ما أكَّدتُهُ وثيقةُ “نداء عمّان” التي‭ ‬صدرتْ عن مؤتمرِ (المواطنةُ الحاضنةُ للتنوُّعِ في المجالِ العربيِّ: الإشكاليةُ والحلُّ)، الذي عقدَهُ منتدى الفكرِ العربيِّ في شهر آب من عامِ 2020، الذي‭ ‬اعتبَرَ المواطنةَ بما يندرجُ تحتَها من قواعدِ السلامِ والتسامحِ والعيشِ الكريمِ الركيزةَ الأساسيةَ في‭ ‬الدولةِ العصريةِ،‭ ‬ولاسيّما بتكافؤِ الفرصِ وتحقيقِ المساواةِ الفعليةِ والشراكةِ الحقيقيةِ والمشاركةِ الفاعلةِ‭‬،‭ ‬وهو ما‭ ‬ينسجمُ مع قيمِنا الإنسانيّةِ وتراثِنا العربيِّ‭ ‬والإسلاميِّ‭ ‬والتطوُّرِ الكونيِّ،‭ ‬ودعا المؤتمرُ إلى إبرامِ عقدٍ اجتماعيٍّ ‬جديدٍ لتعزيزِ شرعيةِ الحكمِ وبناءِ قواعدَ مشتركةٍ للعيشِ معاً‭ ‬في‭ ‬إطارِ المواطنةِ الحاضِنةِ للتنوّعِ وتحتَ حُكمِ القانونِ.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

إنَّ التسامحَ لا يعني المساواةَ أو التنازلَ أو التساهلَ بالحقوقِ والواجباتِ بل يعني اتخاذَ موقفٍ إيجابيٍّ فيه إقرارٌ بحقِّ الآخريَن في التَّمتعِ بحقوقِ الإنسانِ وحرياتِهِ الأساسيَّةِ المعترفِ بها عالميّاً، ولا يجوزُ بأيِّ حالٍّ الاحتجاجُ بالتسامحِ لتبريرِ المساسِ بهذه القيمِ الأساسيةِ، فالتسامحُ مسؤوليةٌ تشكِّلُ عمادَ حقوقِ الإنسانِ والتعدديةِ (بما في ذلك التعدديةُ الثقافيةُ) والديمقراطيةُ وحكمُ القانونِ، وهو ينطوي على نَبْذِ الدوغماتيَّةِ والاستبداديَّةِ، ويُثبِّتُ المعاييرَ التي تنصُّ عليها الاتفاقياتُ الدوليةُ الخاصةُ بحقوقِ الإنسانِ.

إنَّ التسامحَ يَعني الاحترامَ والقبولَ والتقديرَ للتنوُّعِ الثريِّ لثقافاتِ عالَمِنا ولأشكالِ التعبيرِ وللصفاتِ الإنسانيةِ لدينا، ويَتعزَّزُ هذا التسامحُ بالمعرفةِ والانفتاحِ والاتصالِ وحريةِ الفكرِ والضميرِ والمعتقدِ، وهو بحاجةٍ إلى حوارٍ ونقاشٍ ‭ ‬يساهمُ فيه المثقفونَ والباحثونَ والناشطونَ من مختلفِ التياراتِ الفكريةِ‭: ‬اليساريةِ والقوميةِ والدينيةِ‭ للوصولِ إلى إحلالِ مفهومِهِ قولاً وفعلاً على أرضِ الواقعِ بدلاً من ثقافةِ الحربِ المنتشرةِ والمستعرةِ في بعضِ الدولِ العربية.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

ولا بدَّ للأفكارِ والرُّؤى النهضويةِ بوصفِها حصيلةَ تشاركيةٍ للفكرِ وفعالياتِ المجتمعِ المدنيِّ أنْ تصبَّ في صالحِ شعوبِ الأمّةِ العربيةِ ودولِها ومستقبلِها، وأنْ تدورَ في فلكِ الحوارِ المعرفيِّ الشموليِّ الذي يتوخَّى مصلحةَ المجموعِ على مستوى العلاقةِ بين المجتمعِ والدولةِ والإقليمِ، ولا سيَّما في المنظورِ التنمويِّ الشاملِ الذي يجعلُ من الإنسانِ أساسَ المواطنةِ، وهدفَ التنميةِ وموضوعَها، وعمادَ سياساتِ الإصلاحِ.

وينبغي على مؤسَّساتِ الفكرِ والثقافةِ العربيةِ أنْ تتعاملَ مع الأزماتِ الثقافيةِ بعملٍ توعويٍّ مُمنهجٍ للعملِ على تعزيزِ مفاهيمِ التسامحِ والسلامِ والوئامِ من خلالِ بلورةِ فكرٍ عربيٍّ معاصرٍ نحوَ قضايا الوحدةِ، والتنميةِ، والأمنِ القوميِّ، والتحرُّرِ، والتقدُّمِ، والجهودِ الإصلاحيةِ الهادفةِ لتطويرِ الأوضاعِ العربيةِ، وتحصينِ البيتِ العربيِّ ضدَّ التعصُّبِ والتطرفِ ونتائجِهِما من العنفِ والإرهابِ والانقسامِ الطائفيِّ والدينيِّ والإثنيِّ، وعدمِ السماحِ بتفاقمِ الخلافاتِ، ذلك أنَّ مسارَ الازدهارِ العربيِّ مترابطٌ، في ظلِّ تحدياتٍ إقليميةٍ وعالميةٍ تُفرَضُ يوماً بعد يومٍ، والعملِ على التقاربِ، وتبنّي منظورٍ جديدٍ لحلِّ الخلافاتِ، وإبقاءِ قنواتِ الحوارِ فاعلةً، وذلك من خلالِ الأنشطةِ التي تقومُ بها.

على المؤسساتِ الإعلاميةِ مراجعةُ الخطابِ الإعلاميِّ العربيِّ ودورِهِ في قضايا العنفِ والإرهابِ والتسامحِ والسلامِ وبناءِ الإنسانِ، لكونِهِ يُعدُّ أحدَ المنابرِ المهمَّةِ في صنعِ القرارِ والتعبيرِ عن الآراءِ المختلفةِ، وذلك من خلالِ تعزيزِ فكرةِ الانتماءِ الوطنيِّ، والارتقاءِ بالرؤى المختلفةِ التي تطرحُ أفكارَ تَقدُّمِ الشعوبِ، مع التوعيةِ بالحقوقِ والواجباتِ لتصبحَ هذه الشعوبُ بدورِها جزءاً من القيمةِ المضافةِ في عمليةِ التنميةِ، وهو ما تَسعى المجتمعاتُ العربيةُ إلى تَحقيقِهِ.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock