مقالات

الدكروري يكتب عن أحياء عند ربهم

بقلم / محمـــد الدكـــروري

إن الشهادة في سبيل الله درجة عالية لا يهبها الله إلا لمن يستحقها فهي اختيار من العليّ الأعلى للصفوة من البشر ليعيشوا مع الملأ الأعلى، إنها اصطفاء وانتقاء للأفذاذ من البشر ليكونوا في صحبة الأنبياء، فالله تعالى يخبرنا أنهم ليسوا أمواتا، وينهانا أن نحسبهم كذلك، ويؤكد لنا أنهم أحياء عنده، وأنهم يرزقون، ثم هم فرحون بما آتاهم الله من الفضل والمكانة، ويستبشرون بِمَن لم يلحق بهم بعد، وإن للشهادة فى سبيل الله صور كثيرة وإن كان أعلاها هو شهيد الحرب، وإن الشهادة تنقسم إلى أنواع كثيرة ولا تختص فقط بشهيد الحرب، فالشهادة هي البذل في سبيل الله، ولتوضيح هذه الفكرة نأتى على حديث للنبى صلى الله عليه وسلم، وهو يعلم فيه أصحابه أن البذل في سبيل الله تعالى يمكن أن يكون في أيام الحرب وأيام السلم. 

ففى أيام الحرب البذل في سبيل الله معروف، ولكن فى أيام السلم ربما تكون معلومة غائبة عن الأذهان، فذات يوم كان النبى صلى الله عليه وسلم، واقفا مع الصحابة الكرام فرأوا رجلا ممتلئا نشاطا وهمّة وطاقة، ويبدو أن بنية جسمه كانت صلبة وقوية ما جعل الصحابة يعجبون بقوته وطاقته، فقالوا لو كان هذا الرجل يخرج في سبيل الله فينتفع به المسلمين، فأجابهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، إجابة تعلمهم ونحن معهم، ما معنى أن يكون الرجل في سبيل الله، فقال لهم صلى الله عليه وسلم”إن كان خرج يسعى على ولده صغارا فهو في سبيل الله وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفها فهو في سبيل الله وإن كان خرج يسعى رياء ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان” 

فإن هذه صور توضح أن الخروج في سبيل الله لا يقتصر فقط على القتال في المعارك، وإذا علمنا أن الإسلام لا يرى البذل في سبيل الله مقصورا على البذل في المعارك، فمن باب أولى أن يكون للشهادة أنواع أخرى غير الاستشهاد في المعركة، وإن من الشهداء الذين ذكرهم النبى الكريم صلى الله عليه وسلم، هو صاحب السل، ومن مات بذات الجنب، والحريق، وصاحب الهدم، والمرأة تموت جمعاء بإبنها في بطنها، والنفساء، ومن قتل دون ماله أو دينه أو عرضه أو دمه، وقد أوضح لنا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، من هم سادات الشهداء عند الله تعالى فقال “سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قال إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله” ولكن ذلك لا يعني أن نجهر بنصح الإمام من فوق المنابر. 

فالسلطان يناصح سرا كما ورد فى الحديث “من كانت عنده نصيحة لذي سلطان فلا يكلمه بها علانية، وليأخذ بيده وليخلو به، فإن قبلها قبلها وإلا كان قد أدى الذي عليه” وخير الشهداء من قتل يوم بدر، فقد قال النبى الكريم صلى الله عليه وسلم في شأن حاطب بن أبي بلتعة ” إنه قد شهد بدرا، وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال ” اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم” وإن أفضلهم شهداء الصحابة، فهم أئمة الهدى، ومصابيح الدجى، لا كان ولا يكون مثلهم، ولقد أعد الله سبحانه وتعالى للشهداء من الأجر العظيم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، فلقد أعد لهم دار الخلود، ودار الخلود هى التى وعد عباده من كان منهم تقيا، ومن أتقى وأكرم من الشهيد سوى من رضي الله من الأنبياء والصالحين ممن رفعهم مكانا عليا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock