بقلم د/ شيرين العدوي
تخيل لحظة استيقاظك.إنها اللحظة الأكثر أهمية لك: اللحظة التي تقوم فيها وأنت تحمل أفكارك، وأحلامك. انكساراتك، ومراراتك. ربما لا تعرف قيمة وجودك رغم أنك تعي كل من حولك وأفكارهم. فالطفل يولد بوعي يتمثل في صرخته الأولى وقت خروجه من بطن أمه. من علمه الصراخ عند تغيٍّر المناخ حوله؟! من علمه أن يبحث عن ثدي أمه؟! إنه الوعي الفطري الذي علمه الله لآدم وتحدي به الملائكة، وظل متوارثا في الجينات. فهل فكرت مرة ما شكل الحياة لو استيقظت فلم تفهم ولم تع ما حولك؟!
فما الوعي الذي يتردد كثيرا؟ الوعي لغويا: الانتباه من النومة أو الغفلة. وهو شعور الكائن بما في نفسه، وبما يحيط به. وتعرفه دائرة المعارف البريطانية بأنه: الفهم وسلامة الإدراك. فما الإدراك؟ هو معرفة الإنسان لنفسه وقدراته، والمجتمع الذي يعيش فيه، وكيفية قيادة نفسه في ظل متغيرات العالم. وقد غمّ على الفلاسفة تفسيرالوعي فقال عنه د/ ديفيد اسمث أستاذ الفلسفة بجامعة نيويورك: الوعي سريٌّ وشخصي لا يعرف الآخرون عنه شيئا،
وأشارعلماء التشريح بأنه يقع في الدماغ في المنطقة الواصلة بين الفص الأيسر والفص الأيمن حيث يتولد من المدخلات والمخرجات التي يكتسبها الإنسان فينتج الوعي والذكاء والمنطق. فالدماغ يحمل 85 مليار خلية عصبية وخلايا أخرى داعمة لها لم يستطع العلم الوصول لكيفية عملها ليفهم كيف ينشأ الوعي. فلماذا يهتم العالم الغربي بفهم الوعي؟! لأنهم يحاولون صنع عقل للآلة يعمل كعقل الإنسان. أما نحن في الشرق فنحاول صنع الوعي ليدرك الإنسان ما يلحق بالعالم من متغيرات وكيف يواجهها. فرق شاسع بين صنع الوعيين.
ولكن كيف نصنع وعيا؟ يجب أن ندرك أولا أن هناك وعيا ثابتا فطريا ملهما خلقه الله في الإنسان من خلال عقله؛ فعقولنا مختلفة حتى لو تشابهت في مكوناتها. وهناك ثانيا الوعي المكتسب الذي ينمو من خلال الأم والأسرة والتعاملات اليومية في المجتمع؛ هذا الوعي نسبي ومتغير ويمكن تطويره. وثالثا وأخيرا لدينا الوعي المعقد الذي يكتسبه المرء من الخبرات السيئة التي مرت به. هذا الوعي مكتسب أيضا؛ لكنه ثابث لايمكن تعديله أوتطويره لأنه متراكب متراكم. الوعي الوحيد الذي يمكن تغييره هو الوعي المكتسب النسبي ونستطيع تعديله من خلال التعليم والإعلام والثقافة.
أما المجتمع لدينا الآن فيتكون إلى ثلاث فئات. فئة متعلمة مثقفة لديها الوعي النسبي الكافي لكل ما يحيط بها وهذه الفئة يمكن مناقشتها وإقناعها. وفئة ثانية غير متعلمة تتحكم فيها الآلة الإعلامية، ويمكن شراؤها بسد حاجاتها اليومية وإغرائها بالشهرة والمجد. هذه الفئة ليس لها أمان إذ هي مع مصلحتها. والفئة الثالثة والأخيرة هي الفئة المعادية الطامعة في السلطة ، دائمة التشكيك في كل خطوة جادة. هدفها الهدم من أجل بناء هيكلها.هذه الفئة لا يمكن تغييرها.
فعلى الدولة أن تعي أن أحداث يناير وما تلاها فككت الشعب. وليس علينا الآن إلا أن نعمل وننجز دون انتظار لتغيير الوعي؛ لأنه سيتغير مع إحساس الفرد بقيمته ودوره، وجودة الحياة من حوله. يقول المتنبي : ” لَحَا الله ذي الدنيا مُنَاخًا لراكِبٍ/ فكُلُّ بَعِيد الهَمِّ فيها مُعذَّبُ”